من الحديث الأول أن الرسالات السماويةَ تُمثل بجوهرها وروحها مكارم الأخلاق وحيث أن الرسالة المحمدية جاءت خاتمة لها ومتممة لتشريعها بإضافة ما تقتضيه العصور الجديدة والأوضاع الطارئة ـ فلا تكون متممةً للشرائع السابقة إلا إذا كانت مكارم الأخلاق عنوانها العام وقلبها النابض بالمثل السامية والقيم الرفيعة وكذلك الفرد المسلم لا يكون انتماؤه إليها واقعياً ومستمداً بهذا الانتماء الرفعة الحقيقية إلا إذا تجمل بعنوانها المشرق وحمل في قلبه قلبها الخافق الذي يعطيه الحياة الإنسانية السامية والحركة المستقيمة في طريق الهدى والنور .
وإلى هذا المعنى المشرق أشار الشاعر الحكيم بقوله :
وإنما الأمم الأخلاقُ ما بقيت |
|
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبـوا |
وذلك لأن إنسانية الإنسان لا تكون إلا بالالتزام بمنهج السماء عقيدة وسلوكاً فإذا كانت عقيدته صحيحةً وأعماله صالحة وأخلاقه فاضلة كانت إنسانيته كاملة صورة ومعنى .
وإذا تجرد من ذلك يفقد جوهر إنسانيته ولم يبق له منها سوى الشكل والصورة التي تعكس الجانب المادي الحيواني من كَيانه .
ومن المعلوم أن الإنسان إنما كان له وجوده المعنوي ووزنه المعتبر في ميزان القيم بالجانب المعنوي السامي المتمثل بقلبه السليم وروحه الطاهرة ونفسه المطمئنة التي استحقت التكريم الإلهي بتقديم دعوى تكريمية سماوية لها لترجع إلى مصدر وجودها ومنبع خيرها وهو الله سبحانه ـ لتنال في جواره ما وعدها به من النعيم الخالد والسعادة الأبدية إذا قدمت له ثمن ذلك وهو التقوى والعمل الصالح .
وقد تمثلت تلك الدعوة التكريمية بقوله تعالى :