أبان ، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليهالسلام شاء وأراد وقدر وقضى قال نعم قلت وأحب قال لا قلت وكيف شاء وأراد وقدر وقضى ولم يحب قال هكذا خرج إلينا.
______________________________________________________
قوله عليهالسلام : هكذا خرج إلينا ، أي هكذا وصل إلينا من النبي وآبائنا الأئمة صلوات الله عليهم ، ولما كان فهمه يحتاج إلى لطف قريحة ، وكانت الحكمة تقتضي عدم بيانه للسائل اكتفى عليهالسلام ببيان المأخذ النقلي عن التبيين العقلي.
وكلامه عليهالسلام يحتمل وجوها :
الأول : أن يكون المراد بالقضاء والقدر والمشية والإرادة فيما يتعلق بأفعال العباد علمه سبحانه بوقوع الفعل وثبته في الألواح السماوية وشيء منها لا يصير سببا للفعل وأما المحبة فهو أمره سبحانه بالشيء وإثابته عليه ، فهو سبحانه لا يأمر بالمعاصي ولا يثيب عليها فصح إثبات القضاء وأخوانها مع نفي المحبة.
الثاني : أن يقال لما كانت المشية والإرادة وتعلقهما بإيقاع الفعل في الإنسان مقارنا لمحبته وشوقه وميل قلبه إلى ذلك ، توهم السائل أن له سبحانه صفة زائدة على ما ذكره ، وهي المحبة والشوق وميل القلب ، أجاب عليهالسلام بأنه ليس له تعالى محبة بل إسنادها إليه مجاز ، وهي كناية عن أمره أو عدم نهيه أو ثوابه ومدحه.
الثالث : ما قيل : أن عدم المنافاة بين تعلق الإرادة والمشية بشيء وإن لا يحبه لأن تعلق المشية والإرادة بما لا يحبه بتعلقهما بوقوع ما يتعلق به إرادة العباد بإرادتهم وترتبه عليها ، فتعلقهما بالذات بكونهم قادرين مريدين لأفعالهم وترتبها على إرادتهم وتعلقها بما هو مرادهم بالتبع ولا حجر في كون متعلقهما بالتبع شرا غير محبوب له ، فإن دخول الشر وما لا يحبه في متعلق إرادته بالعرض جائز فإن كل من تعلق مشيته وإرادته بخير وعلم لزوم شر له شرية لا تقاوم خيريته تعلقتا بذلك الشر بالعرض وبالتبع وذلك التعلق بالتبع لا ينافي أن يكون المريد خيرا محضا ، ولا يتصف بكونه شريرا ومحبا للشر ، وسيأتي مزيد تحقيق لذلك في شرح الأخبار الآتية.