وبقوتي أديت فرائضي وبنعمتي قويت على معصيتي جعلتك سميعا بصيرا قويا « ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ » وذاك أني أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني وذاك أنني لا أسأل عما أفعل « وَهُمْ يُسْئَلُونَ ».
______________________________________________________
أو بما شئت أن أجعلك مختارا مريدا وبقوتي التي خلقتها فيك أديت فرائضي ، وقيل لعل المراد بها القوة العقلانية « وبنعمتي » التي أنعمتها عليك من قدرتك على ما تشاء ، والقوي الشهوانية والغضبية التي بها حفظ الأبدان والأنواع وصلاحها « قويت على معصيتي » وقوله « جعلتك سميعا بصيرا » ناظر إلى الفقرة الثانية ، وقوله : قويا إلى الثالثة.
وقوله : « ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ » لأنه من آثار ما أفيض عليه من جانب الله « وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ » لأنه من طغيانها بهواه.
وقوله : وذاك أني أولى بحسناتك منك « إلخ » بيان للفرق ، مع أن الكل مستند إليه ومنتهى به بالأخرة ، وللعبد في الكل مدخل بالترتب على مشيته وقواه العقلانية والنفسانية ، بأن ما يؤدي إلى الحسنات منها أولى به سبحانه ، لأنه من مقتضيات خيريته سبحانه وآثاره الفائضة من ذلك الجناب بلا مدخلية للنفوس إلا القابلية لها ، وما يؤدي إلى السيئات منها أولى بالأنفس لأنها مناقص من آثار نقصها لا تستند إلى ما فيه منقصة.
وقوله : « وذاك أني (١) لا أسأل عما أفعل « وَهُمْ يُسْئَلُونَ » بيان لكونه أولى بالحسنات بأن ما يصدر ويفاض من الخير المحض من الجهة الفائضة منه لا يسأل عنه ، ولا يؤاخذ به فإنه لا مؤاخذة بالخير الصرف ، وما ينسب إلى غير الخير المحض ومن فيه شرية ينبعث منه الشر يؤاخذ بالشر ، فالشرور وإن كانت من حيث وجودها منتسبة إلى خالقها ، فمن حيث شريتها منتسبة إلى منشإها وأسبابها القريبة المادية ، هذا ما ذكره بعض الأفاضل في هذا المقام.
ويمكن أن يقال : كونه تعالى أولى بحسناته لأنها بألطافه وتوفيقاته وتأييداته
__________________
(١) وفي المتن « وذاك أنّني » بنونين.