العمل بحقيقة ما هم أهله ووهب لأهل المعصية القوة على معصيتهم لسبق علمه فيهم ومنعهم إطاقة القبول منه فوافقوا ما سبق لهم في علمه ولم يقدروا أن يأتوا حالا تنجيهم من عذابه لأن علمه أولى بحقيقة التصديق وهو معنى شاء ما شاء وهو سره
______________________________________________________
بالتوفيقات والهدايات والألطاف الخاصة بحقيقة ما هم أهله ، أي بحسب ما يرجع إليهم من النيات الصحيحة والأعمال الصالحة والطينات الطيبة « ووهب لأهل المعصية » الهبة هنا على سبيل التحكم أو يقال إعطاء أصل القوة لطف ورحمة ، وباستعمال العبد إياها في المعصية تصير شرا ، أو أنهم لما كانوا طالبين للمعصية راغبين فيها ، فكأنهم سألوا ذلك ووهبهم والأوسط أظهر.
« القوة على معصيتهم » أي المعصية التي يفعلونها بإرادتهم واختيارهم لسبق علمه فيهم ، إذ علم أن التكليف لا يتم إلا بإعطاء الآلة والقوة ، وإلا لكانوا مجبورين على الترك.
« ومنعهم أطاقه القبول منه » قيل : هو مصدر مضاف إلى الفاعل عطفا على ضمير فيهم ، أي لعلمه بأنهم يمنعون أنفسهم أطاقه القبول ، ولا يخفى ما فيه لفظا ومعنى.
أقول : ويحتمل أن يكون عطفا على السبق ويكون اللام فيهما لام العاقبة كما في قوله تعالى : « لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا » (١) أي وهب لهم القوة مع أنه كان يعلم عدم إطاعتهم وتصييرهم أنفسهم بحيث كأنهم لا يطيقون القبول منه ، أو منعهم بصيغة الماضي ويكون المراد ترك الألطاف الخاصة ، فلما لم يلطف لهم فكأنه منعهم القبول كما في قوله تعالى : « خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ » (٢) وكذا قوله : ولم يقدروا ، أي قدرة تامة لسهولة كما كانت للفريق الأول عند الألطاف الخاصة ، لأن علمه أولى بحقيقة
__________________
(١) سورة القصص : ٨.
(٢) سورة البقرة : ٧.