تلا هذه الآية « فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ » (١)
______________________________________________________
فيه من قولهم : نكت الأرض بالقضيب إذا أثر فيها ، وسمي اليقين بالنور إذ به يظهر حقائق الأشياء على النفس ، وفتح مسامع القلب كناية عن تهيئة لقبول ما يرد عليه من المعارف « ووكل به ملك يسدده » ويلهمه الحق ، ويدفع عنه استيلاء الشيطان بالشبهات ، « وإذا أراد بعبد سوءا » أي منع لطفه لعدم استحقاقه « نكت في قلبه » أي يخليه والشيطان ، فينكت الشيطان في قلبه نكتة سوداء من الجهالة والضلالة ، وما يصير سببا لعدم قبول الحق وسد مسامع قلبه ، أي لا يوفقه لقبول الحق ولا يفعل به ما فعل بمن استحق الألطاف الخاصة ، فكأنه سبحانه سد مسامع قلبه ، وهو مثل قوله سبحانه : « خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ » (٢) « ووكل به شيطانا » أي يخلي بينه وبين الشيطان لعدم قبوله هداية الرحمن ، وإعراضه عن الحق بعد البيان.
قوله تعالى « فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ » قال البيضاوي : أي يعرفه طريق الحق ويوفقه للإيمان « يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ » فيتسع له ويفسح ما فيه مجالة وهو كناية عن جعل النفس قابلة للحق مهيأة لحلوله فيها ، مصفاة عما يمنعه وينافيه « وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً » بحيث ينبو (٣) عن قبول الحق ، فلا يدخله الإيمان « كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ » شبهه مبالغة في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه ، فإن صعود السماء مثل فيما يبعد عن الاستطاعة.
وقال الطبرسي : قد ذكر في تأويل الآية وجوه : « أحدهما » أن معناه من يرد الله أن يهديه إلى الثواب وطريق الجنة يشرح صدره في الدنيا للإسلام ، بأن يثبت عزمه عليه ويقوي دواعيه على التمسك ، ويزيل عن قلبه وساوس الشيطان ، وإنما يفعل ذلك لطفا ومنا عليه وثوابا على اهتدائه بهدي الله ، وقبوله إياه ونظيره قوله سبحانه
__________________
(١) سورة الأنعام : ١٢٥.
(٢) سورة البقرة : ٧.
(٣) نبا الطبع عن الشيء : نفر ولم يقبله.