إن الله عز وجل يقول « فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ » (١) وكيف يهتدي من لم يبصر وكيف يبصر من لم يتدبر اتبعوا رسول الله وأهل بيته وأقروا بما نزل من عند الله واتبعوا آثار الهدى فإنهم علامات الأمانة والتقى واعلموا أنه لو أنكر رجل عيسى ابن مريم عليهالسلام وأقر بمن سواه من الرسل لم يؤمن اقتصوا الطريق بالتماس المنار والتمسوا من وراء الحجب الآثار
______________________________________________________
تعالى : « فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ » الضمير في أنها للقصة ، أو مبهم يفسره الأبصار ، وفي « تعمى » راجع إليه ، أو الظاهر أقيم مقامه ، أي ليس الخلل في مشاعرهم ، وإنما ألفت عقولهم باتباع الهوى والانهماك في التقليد ، وذكر الصدور للتأكيد ونفي التجوز وفضل التنبيه على أن العمى الحقيقي ليس المتعارف الذي يخص البصر.
ثم بين عليهالسلام أن الاهتداء لا يكون إلا بأبصار القلب والتميز بين الحق والباطل ، ولا يكون ذلك الإبصار إلا بالتدبر والتفكر في الآيات والأخبار « اتبعوا رسول الله » فذلكة للبحث ونتيجة لما سبق ، و « آثار الهدى » الأئمة عليهمالسلام ، فإنهم علامة الهداية أو الدلائل الدالة على إمامتهم ووجوب متابعتهم « فإنهم علامات الأمانة » أي المتصفون بها ، أو بأقوالهم وأفعالهم تعلم أحكام الأمانة والتقوى ، ثم بين عليهالسلام وجوب الإقرار بجميع الأئمة عليهمالسلام ، واشتراط الإيمان به بأنه لو أقر رجل بجميع الأنبياء وأنكر واحدا منهم لم ينفعه إيمانه كما قال تعالى : « لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ » (٢) فكذلك من أنكر واحدا من الأئمة عليهمالسلام لم ينفعه إقراره بسائر الأنبياء والأوصياء عليهمالسلام ، لأن كلمة الأنبياء والأوصياء متفقة ، وكل منهم مصدق بمن سواهم ، فإنكار واحد منهم إنكار للجميع.
« اقتصوا الطريق » يقال : قص أثره واقتصه إلى اتبعه ، أي اتبعوا طريق الشيعة والدين ، أو اتبعوا أثر من تجب متابعته في طريق الدين بطلب المنار الذي به يعلم الطريق وهو الإمام ، والمنار بفتح الميم : محل النور الذي ينصب على الطريق ليهتدي به الضالون في الظلمات « والتمسوا » أي اطلبوا « من وراء الحجب » أي حجب الشكوك
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٤٦.
(٢) سورة البقرة : ٢٨٥.