ولا ينال ما عند الله إلا بجهة أسبابه ولا يقبل الله أعمال العباد إلا بمعرفته فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدجى ومعميات السنن ومشبهات الفتن فلم يزل الله تبارك وتعالى يختارهم لخلقه من ولد الحسين عليهالسلام من عقب كل إمام يصطفيهم لذلك ويجتبيهم ويرضى بهم لخلقه ويرتضيهم كلما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماما علما بينا وهاديا نيرا وإماما قيما وحجة عالما أئمة من الله « يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ » حجج الله ودعاته ورعاته على خلقه يدين بهديهم العباد وتستهل بنورهم البلاد وينمو ببركتهم التلاد جعلهم الله حياة للأنام
______________________________________________________
وبين سماء المعرفة والقرب والكمال سببا يرتفع به إليها من روح القدس ، والإلهامات والتوفيقات قال الله تعالى : « مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ » (١) قيل : أي فليمدد حبلا إلى سماء الدنيا ثم ليقطع به المسافة حتى يبلغ عنانه « لا ينقطع عنه موادة » أي الزيادات المقررة له من الهدايات والإلهامات ، والضمير راجع إلى الإمام أو إلى الله أو إلى السبب على بعد في الأخير « من ملتبسات الدجى » التباس الأمور : اختلاطها على وجه يعسر الفرق بينها ، والدجى جمع الدجية وهي الظلمة الشديدة ، أي عالم بالأمور المشتبهة في ظلم الجهالة والفتن « ومعميات » بتشديد الميم المفتوحة يقال : عميت الشيء أي أخفيته ، ومنه المعمى « ومشبهات الفتن » أي الفتن المشبهة بالحق أو الأمور المشبهة بالحق بسبب الفتن.
والقيم على الشيء : المتولي عليه ، والمتولي لأموره ومصالحه ، ومنه : قيم الخان ، ومنه أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ، أي الذي يقوم بحفظها ومراعاتها يؤتي كل شيء ما به قوامه « وبه يعدلون » أي بالحق ، والرعاة جمع الراعي وهو الحافظ والحامي « يدين » أي يعبد « بهديهم » بضم الهاء وفتح الدال أو بفتح الهاء وسكون الدال وهو السيرة الحسنة « وتستهل » أي تتنور وتستضيء « بنورهم البلاد » أي أهلها « وتنمو ببركتهم التلاد » التألد والتليد والتلاد : كل مال قديم وخلافه الطارف والطريف ، والتخصيص به لأنه أبعد من النمو ، أو لأن الاعتناء به
__________________
(١) سورة الحج : ١٥.