الأشياء شيئان جسم وفعل الجسم فلا يجوز أن يكون الصانع بمعنى الفعل ويجوز
______________________________________________________
قوله : جسم وفعل الجسم ، هذا الكلام يحتمل وجهين « الأول » أن يكون مبنيا على ما يذهب إليه وهم أكثر الناس من أن الموجود منحصر في المحسوس وما في حكمه وكل ما لا وضع له ولا إشارة حسية إليه ، فعندهم فرض وجوده مستحيل ، فالشيء عندهم إما جسم وإما عرض قائم بالجسم وهو المراد بفعل الجسم لأنه تابع له في الوجود.
الثاني : أن يكون أراد بالجسم الحقيقة القائمة بذاتها المغايرة للأفعال من غير اعتبار التقدر والتحدد كما مرت الإشارة إليه ، فالمراد بقوله عليهالسلام : أما علم أن الجسم محدود ، أنه مخطئ في إطلاق الجسم على كل حقيقة قائمة بالذات ، وعلى التقديرين قوله : فإذا احتمل ، استدلال على نفي جسميته سبحانه بأنه لو كان جسما لكان محدودا بحدود متناهيا إليها لاستحالة لا تناهي الأبعاد وكل محتمل للحد قابل للانقسام بأجزاء متشاركة في الاسم والحد ، فله حقيقة كلية غير متشخصة بذاتها ولا موجودة بذاتها أو هو مركب من أجزاء ، حال كل واحد منها ما ذكر فيكون مخلوقا أو بأن كل جسم متناه ، وإذا كان متناهيا كان محدودا بحد واحد معين أو حدود معينة فيكون مشكلا ، فذلك الحد المعين والشكل المخصوص إما أن يكون من جهة طبيعة الجسمية بما هي جسمية ، أو لأجل شيء آخر ، والأول باطل ، وإلا لزم كون جميع الأقسام محدودة بحد واحد وشكل واحد ، لاشتراكها في معنى الجسمية بل يلزم أن يكون مقدار الجزء والكل وشكلهما واحد ، فيلزم أن لا جزء ولا كل ولا تعدد في الأجسام وهو محال ، والثاني أيضا باطل ، لأن ذلك الشيء إما جسم أو جسماني أو مفارق عنهما ، والكل محال ، لأنه إن كان جسما آخر فيعود المحذور ويلزم التسلسل وإن كان جسمانيا فيلزم الدور إذ وجوده لكونه جسمانيا يتوقف على تحدد ذلك الجسم ، لأن الجسم ما لم يتحدد لم يوجد ، وإذا كان وجود ذلك الجسم وتحدده متوقفين عليه كان وجوده متوقفا على ما يتوقف عليه وجوده ، فيتوقف وجود ذلك الشيء على وجوده ، وكان تحدد الجسم متوقفا على ما يتوقف على تحدده ، فيتوقف