وبهذا الإسناد ، عن سهل ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمد بن مارد أن أبا عبد الله عليهالسلام سئل عن قول الله عز وجل : « الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى » فقال استوى
______________________________________________________
من استحالة كونه تعالى مكانيا ، فمن المفسرين من حمل الاستواء في هذه الآية على الثاني ، أي أقبل على خلقه وقصد إلى ذلك ، وقد ورد أنه سئل أبو العباس أحمد بن يحيى عن هذه الآية ، فقال : الاستواء الإقبال على الشيء ، ونحو هذا قال الفراء والزجاج في قوله عز وجل : « ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ » (١) والأكثرون منهم حملوها على الثالث ، أي استولى عليه وملكه ودبره قال الزمخشري : لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك لا يحصل إلا مع الملك جعلوه كناية عن الملك ، فقالوا : استوى فلان على السرير يريدون ملكه ، وإن لم يعقد على السرير البتة ، وإنما عبروا عن حصول الملك بذلك لأنه أصرح وأقوى في الدلالة من أن يقال فلان ملك ، ونحوه قولك يد فلان مبسوطة ، ويد فلان مغلولة ، بمعنى أنه جواد أو بخيل ، لا فرق بين العبارتين إلا فيما قلت ، حتى أن من لم يبسط يده قط بالنوال ، أو لم يكن له يد رأسا وهو جواد قيل فيه يد مبسوطة ، لأنه لا فرق عندهم بينه وبين قولهم جواد « انتهى ».
ويحتمل أن يكون المراد المعنى الرابع بأن يكون كناية عن نفي النقص عنه تعالى من جميع الوجوه ، فيكون قوله تعالى « عَلَى الْعَرْشِ » حالا وسيأتي توجيهه ، ولكنه بعيد.
وأما المعنى الخامس فهو الظاهر مما مر من الأخبار.
فاعلم أن العرش قد يطلق على الجسم العظيم الذي أحاط بسائر الجسمانيات ، وقد يطلق على جميع المخلوقات ، وقد يطلق على العلم أيضا كما وردت به الأخبار الكثيرة ، وقد حققناه في كتاب السماء والعالم من كتاب بحار الأنوار ، فإذا عرفت هذا فإما أن يكون عليهالسلام فسر العرش بمجموع الأشياء ، وضمن الاستواء ما يتعدى بعلى
__________________
(١) سورة البقرة : ٢٩.