جرمه غير محتاج إلى مواقف الغذاء المتفرّقة فيصير رخواً ، بل صلب جرمه وجمع غذاؤه وهو المخّ في حشوه . ففائدة زيادة التجويف أن يكون أخفَّ وفائدة توحيد التجويف أن يبقى جرمه أصلب ، وفائدة صلابة جرمه أن لا ينكسر عند الحركات العنيفة ، وفائدة المخّ ليغذوه وليرطبه دائماً فلا يتفتّت بتجفيف الحركة ، وليكون ـ وهو مجوّف ـ كالمصمت . والتجويف يقلّ إذا كانت الحاجة إلى الوثاقة (١) أكثر ويكثر إذا كانت الحاجة إلى الخفّة أكثر . وخلق بعضها مشاشة (٢) لأجل (٣) الغذاء المذكور مع زيادة حاجة بسبب شيء يجب أن ينفذ فيها كالرائحة المستنشقة مع الهواء في العظام الّتي تحت الدماغ ولفضول الدماغ المدفوعة فيها .
والعظام كلّها متجاورة متلاقية ليس بين شيء منها وبين الّذي يليه مسافة كثيرة وإنّما لم يجعل كلّ ما في البدن منها عظماً واحداً لئلّا يشمل البدن ما أصابته من آفة أو كسر ، وليكون لأجزاء البدن حركات مختلفة متفنّنة (٤) ، ولهذا هيّىء كلُّ واحد منها بالشكل الموافق لما اُريد به ، ووصل ما يحتاج منها إلى أن يتحرّك في بعض الأحوال معاً وفي بعضها فرادى برباط أنبته من أحد طرفي العظم ووصل بالطرف الآخر ، وهو جسم أبيض عديم الحسّ ، فجعل لأحد طرفي العظمين زوائد وفي الاخر قعراً موافقة لدخول هذه الزوائد وتمكّنها فيها والنابت بهذه الهيئة بين العظام مفاصل وصار للأعضاء من أجل المفاصل أن تتحرّك منها بعض دون بعض ، ومن أجل الرُّبط المواصلة بين العظام أن تتحرّك معاً كعظم واحد ، ومن أجل أنّ العظام وسائر الأعضاء ليس لها أن تتحرّك بذاتها بل بمحرّك وعلى سبيل جهة الانفعال وصل بها من مبدأ الحسّ والحركة وينبوعهما الّذي هو الدماغ وصولا .
__________________
(١) الوثاق ( خ ) .
(٢) المشاشة ـ بالضم ـ : الارض الرخوة التي يتحلب فيها الماء .
(٣) لامر ( خ ) .
(٤) في بعض النسخ « متفقة » وفي بعضها « متنفشة » .