الحمد وذموا أنفسهم على ما فرطوا وهم أهل الذم وعلموا أن الله تبارك وتعالى الحليم العليم إنما غضبه على من لم يقبل منه رضاه وإنما يمنع من لم يقبل منه عطاه وإنما يضل من لم يقبل منه هداه ثم أمكن أهل السيئات من التوبة بتبديل الحسنات دعا عباده في الكتاب إلى ذلك بصوت رفيع لم ينقطع ولم يمنع دعاء عباده فلعن الله « الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ » و « كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ » فسبقت قبل الغضب فتمت « صِدْقاً
______________________________________________________
الابتدائية ، أي الطغيان الحاصل من الالتذاذ ، وفي بعض النسخ « من الإيراد بالشهوات » ولعل المراد إيراد الأنفس على المهالك بسبب الشهوات.
قوله : « من المثلات » بفتح الميم وضم الثاء أي العقوبات قوله « رضاه » أي ما يرضيه من الطاعات.
قوله عليهالسلام : « من التوبة بتبديل الحسنات » الظاهر أن الباء تعليلية أي جعل أهل السيئات قادرين على التوبة ، متمكنين منها ، لأن يبدلوا بها سيئاتهم حسنات أو لأن يبدل الله سيئاتهم حسنات ، ويحتمل أن تكون « من » سببية ، والباء بمعنى من أي مكنهم من تبديل سيئاتهم بالتوبة ، وهو إشارة إلى قوله تعالى « فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ » (١) والتبديل إما بأن يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة ، ويثبت مكانها لواحق طاعاتهم أو يبدل ملكة المعصية في النفس ، بملكة الطاعة ، وقيل : بأن يوفقه لأضداد ما سلف منه أو بأن يثبت له مكان كل سيئة حسنة ، وبهذا المعنى الأخير ورد بعض أخبارنا (٢).
قوله عليهالسلام : « ولم يمنع دعاء عباده » أي يمنعهم عن الدعاء.
قوله عليهالسلام : « فلعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله » لعل المراد المجبرة المنكرين لما تقدم.
قوله عليهالسلام : « كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ » أي ألزمها على نفسه.
قوله : « فتمت » أي الرحمة أي كتابتها والوعد بها وتقديرها كما قال « وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ » (٣) وفسرت بتقديرات الله تعالى ومواعيده.
__________________
(١) سورة الفرقان : ٧٠.
(٢) البرهان في تفسير القرآن : ج ٣ ص ١٧٤ ـ ١٧٥ ح ٢ ـ ٣ ـ ٤.
(٣) سورة الأنعام : ١١٥.