ولم تهنوا عن توهين الباطل لم يتشجع عليكم من ليس مثلكم ولم يقو من قوي عليكم وعلى هضم الطاعة وإزوائها عن أهلها لكن تهتم كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى بن عمران عليهالسلام ولعمري ليضاعفن عليكم التيه من بعدي أضعاف ما تاهت بنو إسرائيل ولعمري أن لو قد استكملتم من بعدي مدة سلطان بني أمية لقد اجتمعتم على السلطان الداعي إلى الضلالة وأحييتم الباطل وخلفتم الحق وراء ظهوركم وقطعتم الأدنى
______________________________________________________
الحق الذي هو مر أو خالص الحق فإنه مر واتباعه صعب ، وفي النهج (١) : عن نصر الحق « ولم تهنوا عن توهين الباطل » أي لم تضعفوا عن تحقير الباطل وأضعافه ، « لم يتشجع عليكم من ليس مثلكم » وفي النهج (٢) : لم يطمع فيكم « ولم يقومن قوي عليكم ، وعلى هضم الطاعة » أي كسرها « وإزوائها عن أهلها » يقال زوى الشيء عنه : أي صرفه ونحاه ، ولم أظفر بهذا البناء فيما اطلعت عليه من كتب اللغة « لكن تهتم كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى » أي كما تاهوا في خارج المصر أربعين سنة ، يتيهون ويتحيرون في الأرض ، ليس لهم مخرج بسبب عصيانهم ، وتركهم الجهاد ، فكذا أصحابه تحيروا في أديانهم وأعمالهم لما لم ينصروه ولم يعينوه على عدوه كما روي (٣) عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : لتركبن سنين من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. وفي النهج (٤) : ولكنكم تهتم متاه بني إسرائيل ولعمري ليضاعفن عليكم التيه من بعدي أضعاف ما تاهت بنو إسرائيل. يحتمل أن يكون المراد بالمشبه به هنا تحير قوم موسى بعده في دينهم ويمكن أن يراد به تحيرهم في الأرض في حياته عليهالسلام كالسابق ، وعلى التقديرين المراد بالمضاعفة إما المضاعفة بحسب الشدة ، وكثرة الحيرة ، أو بحسب الزمان ، فإن حيرتهم كانت أربعين سنة والناس إلى الآن متحيرون تائهون في أديانهم وأحكامهم « ولعمري أن لو قد استكملتم مدة سلطان بني أمية لقد اجتمعتم على سلطان الداعي إلى الضلالة ، أي الداعي إلى بني عباس « وأحييتم الباطل » أي مرة ثانية « وخلفتم الحق وراء ظهوركم » أي متابعة أئمة أهل البيت عليهمالسلام « وقطعتم
__________________
(١ و ٢ و ٤) نهج البلاغة : تحقيق صبحي الصالح ص ٢٤١ « الخطبة : ١٦٦ ».
(٣) مسند أحمد بن حنبل : ج ٤ ص ١٢٥. وبحار الأنوار : ج ٢٨ ص ٨.