يُنْفَخُ فِي الصُّورِ » وتبعثر فيه القبور وذلك يوم الآزفة « إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ » وذلك يوم لا تقال فيه عثرة ولا يؤخذ من أحد فدية ولا تقبل من أحد معذرة ولا لأحد فيه مستقبل توبة ليس إلا الجزاء بالحسنات والجزاء بالسيئات فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده ومن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده.
فاحذروا أيها الناس من الذنوب والمعاصي ما قد نهاكم الله عنها وحذركموها في كتابه الصادق والبيان الناطق ولا تأمنوا مكر الله وتحذيره وتهديده عند ما يدعوكم الشيطان اللعين إليه من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا فإن الله عز وجل يقول « إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ » (١)
______________________________________________________
للحساب أو يشهد فيه على الخلائق بما عملوا.
قوله عليهالسلام : « وتبعثر فيه القبور » قال الجوهري (٢) : يقال : بعثرت الشيء وبعثرته إذا استخرجته وكشفته. وقال أبو عبيدة في قوله تعالى : « بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ » (٣) أثير وأخرج وقال تقول : بعثرت حوضي : أي هدمته وجعلت أسفله أعلاه.
قوله عليهالسلام : « وذلك يوم الآزفة » سميت القيامة بها لأزوفها : أي لقربها « إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ » فإنها ترتفع عن أماكنها فتلتصق بحلوقهم ، فلا تعود فيتروحوا فلا تخرج فيستريحوا « كاظِمِينَ » على الغم حال من أصحاب القلوب على المعنى ، لأنه على الإضافة أو منها ومن ضميرها في لدي وجمعه كذلك ، لأن الكظم من أفعال العقلاء كقوله تعالى : « فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ ». (٤) قوله عليهالسلام : « لا تقبل من أحد معذرة » أي عذر ليس صاحبه فيه صادقا أو توبة.
قوله عليهالسلام : « من الذنوب والمعاصي » بيان للموصول بعده ، أو الموصول بدل من الذنوب ، قوله تعالى : « طائِفٌ » قال البيضاوي : أي لمة منه وهو اسم فاعل من طاف
__________________
(١) الأعراف : ٢٠١.
(٢) الصحاح : ج ٢ ص ٥٩٣ ـ ٥٩٤.
(٣) سورة العاديات : ٩. والآية « إِذا بُعْثِرَ ... ».
(٤) سورة الشعراء : ٤.