حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ » (١) وايم الله إن هذه عظة لكم وتخويف إن اتعظتم وخفتم ثم رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب فقال عز وجل « وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ » (٢) فإن قلتم أيها الناس إن الله عز وجل إنما عنى بهذا أهل الشرك فكيف ذلك وهو يقول « وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ » (٣).
اعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا ينصب لهم الموازين ولا ينشر لهم الدواوين و
______________________________________________________
أَحَسُّوا بَأْسَنا » مر تفسيرها في الحديث الخامس عشر قوله تعالى : « وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ » قال البيضاوي : أي أدنى شيء ، وفيه مبالغات ذكر المس وما في النفحة من معنى القلة ، فإن أصل النفح هبوب رائحة الشيء ، والبناء الدال على المرة « من عذاب ربك » من الذي ينذرون به ليقولن « يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ » لدعوا على أنفسهم بالويل واعترفوا عليها بالظلم (٤) قوله تعالى : « وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ » قال البيضاوي : أي العدل يوزن بها صحائف الأعمال ، وقيل : وضع الموازين تمثيل لإرصاد الحساب السوي ، والجزاء على حسب الأعمال بالعدل ، وإفراد القسط ، لأنه مصدر وصف به للمبالغة « لِيَوْمِ الْقِيامَةِ » لجزاء يوم القيامة أو لأهله ، أو فيه كقولك جئت لخمس خلون من الشهر « فَلا تُظْلَمُ » فلا تنقص « نَفْسٌ شَيْئاً » من حقه أو لا تظلم شيئا من الظلم ، « وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ » أي وإن كان العمل أو الظلم مثقال حبة ورفع نافع ـ مثقال حبة ـ على كان التامة « أَتَيْنا بِها » أحضرناها ، والضمير للمثقال ، وتأنيثه لإضافته إلى الحبة « وَكَفى بِنا حاسِبِينَ » إذ لا مزيد على علمنا وعدلنا (٥).
قوله عليهالسلام : « لا تنصب لهم الموازين » لا ينافي ذلك معاقبتهم على سيئات أعمالهم ، وكونهم مكلفين بالفروع ، وإذ يعاملهم الله بعلمه ، وإنما يوضع الموازين للمسلمين تشريفا لهم ، أو لأنهم لما كانوا مطيعين في أصول الدين ، أو بعضها يوضع لهم
__________________
(١) سورة الأنبياء : ١١ ـ ١٥.
(٢) سورة الأنبياء : ٤٦.
(٣) سورة الأنبياء : ٤٧.
(٤) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٧٤ « ط مصر ١٣٨٨ ».
(٥) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٧٤ « ط مصر ١٣٨٨ ».