بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » (١) فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون ولا تركنوا إلى الدنيا فإن الله عز وجل قال لمحمد صلىاللهعليهوآله : « وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ » (٢) ولا تركنوا إلى زهرة الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان فإنها دار بلغة ومنزل قلعة ودار عمل فتزودوا الأعمال الصالحة فيها قبل تفرق أيامها وقبل الإذن من الله في خرابها فكان قد أخربها الذي عمرها أول مرة وابتدأها وهو ولي ميراثها فأسأل الله العون لنا ولكم على تزود التقوى والزهد فيها جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا الراغبين لآجل ثواب الآخرة فإنما نحن به وله وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
______________________________________________________
والمضاف محذوف في الموضعين للمبالغة ، وقرأ بالياء على الأصل « بِالْأَمْسِ » لا فيما (٣) قبله ، وهو مثل في الوقت القريب ، والممثل به مضمون الحكاية ، وهو زوال خضرة النبات فجأة وذهابه حطاما بعد ما كان غضا ، والتف وزين الأرض حتى طمع فيه أهله وظنوا أنه قد سلم من الحوائج (٤) ، لا الماء ، وإن وليه حرف التشبيه ، لأنه من التشبيه المركب « كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » فإنهم المنتفعون به (٥).
قوله : « وَلا تَرْكَنُوا » قال الفيروزآبادي (٦) : ركن إليه كنصر وعلم ومنع ركونا : مال وسكن.
قوله عليهالسلام : « دار بلغة » البلغة بالضم : ما يتبلغ به من العيش أي دار ينبغي أن يكتفي فيها بقدر الكفاية أو ينبغي أن يؤخذ منها ما يبلغ به إلى نعيم الآخرة ودرجاتها ، وقال الجوهري (٧) : هذا منزل قلعة أي ليس بمستوطن ومجلس قلعة إذا كان صاحبه يحتاج إلى أن يقوم مرة بعد مرة ، ويقال أيضا : هم على قلعة أي على رحلة.
قوله عليهالسلام : « فإنما نحن به وله » الظاهر أن الضمير راجع إلى ثواب الآخرة أي نحن متلبسون به كناية عن قربه ، وله أي خلقنا وكلفنا لأجله ، ويحتمل إرجاع
__________________
(١) سورة يونس : ٢٤.
(٢) سورة هود : ١١٣.
(٣) في المصدر : فيما فيله.
(٤) في المصدر : من الحوائج.
(٥) أنوار التنزيل : ج ١ ص ٤٤٤ ـ ٤٤٥.
(٦) القاموس المحيط : ج ٤ ص ٢٢٩ « ط مصر ».
(٧) الصحاح : ج ٣ ص ٣٧١.