على غير طهور ولم يذكر الله عز وجل حقيقة ذكره فإنها تختلف وتبطئ على صاحبها
______________________________________________________
الآخر والقوة المتخيلة جبلت محاكية لما يرد عليها ، فتحاكى تلك المعاني المنتقشة في النفس بصور جزئية ، مناسبة لها ثم تصير تلك الصور الجزئية في الحس المشترك فتصير مشاهدة وهذه هي الرؤيا الصادقة.
ثم إن الصور التي تركبها القوة المتخيلة إن كانت شديدة المناسبة لتلك المعاني المنطبعة في النفس ، حتى لا يكون بين المعاني التي أدركتها النفس وبين الصور التي ركبتها القوة المتخيلة تفاوت إلا في الكلية والجزئية كانت الرؤيا غنية عن التعبير ، وإن لم تكن شديدة المناسبة إلا أنه مع ذلك تكون بينهما مناسبة بوجه ما كانت الرؤيا محتاجة إلى التعبير ، وهو أن يرجع من الصورة التي في الخيال إلى المعنى الذي صورته المتخيلة بتلك الصورة ، وأما إذا لم تكن بين المعنى الذي أدركته النفس وبين الصورة التي ركبتها القوة المتخيلة مناسبة أصلا لكثرة انتقالات المتخيلة من صورة إلى صورة لا تناسب المعنى الذي أدركته النفس أصلا ، فهذه الرؤيا من قبيل أضغاث الأحلام ، ولهذا قالوا : لا اعتماد على رؤيا الشاعر والكاذب ، لأن قوتهما المتخيلة قد تعودت الانتقالات الكاذبة الباطلة انتهى. ولا يخفى أن هذا رجم بالغيب ، وتقول بالظن والريب ولم يستند إلى دليل وبرهان ، ولا إلى مشاهدة وعيان ، ولا إلى وحي إلهي مع ابتنائه على العقول والنفوس الفلكية اللتين نفتهما الشريعة المقدسة.
وقال المازري في شرح قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الرؤيا من الله ، والحلم من الشيطان » : مذهب أهل السنة في حقيقة الرؤيا أن الله تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان ، وهو سبحانه تعالى يفعل ما يشاء لا يمنعه النوم واليقظة ، فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علما على أمور آخر يخلقها في ثاني الحال أو كان قد خلقها ، فإذا خلق في قلب النائم الطيران وليس بطائر