فإنك امرؤ أنزلك الله من آل محمد بمنزلة خاصة وحفظ مودة ما استرعاك من دينه وما ألهمك من رشدك وبصرك من أمر دينك بتفضيلك إياهم وبردك الأمور إليهم كتبت تسألني عن أمور كنت منها في تقية ومن كتمانها في سعة فلما انقضى سلطان الجبابرة وجاء سلطان ذي السلطان العظيم بفراق الدنيا المذمومة إلى أهلها العتاة على خالقهم رأيت أن أفسر لك ما سألتني عنه مخافة أن يدخل الحيرة على ضعفاء شيعتنا من قبل جهالتهم فاتق الله عز ذكره وخص لذلك الأمر أهله واحذر أن تكون سبب بلية على الأوصياء أو حارشا عليهم بإفشاء ما استودعتك وإظهار ما استكتمتك ولن تفعل إن شاء الله إن أول ما أنهي إليك أني أنعى إليك نفسي في ليالي هذه غير جازع ولا نادم
______________________________________________________
قوله عليهالسلام : « وحفظ مودة » كأنه معطوف على قوله : « منزلة » أي جعلك تحفظ مودة أمر استرعاك ، وهو دينه ، ويمكن أن يقرأ حفظ على صيغة الماضي ، ليكون معطوفا على قوله : « أنزلك ».
قوله عليهالسلام : « كنت منها » على صيغة المتكلم.
قوله : « وجاء سلطان ذي السلطان » أي كنت أتقي هذه الظلمة في أن أكتب جوابك ، لكن في تلك الأيام دنى أجلي وانقضت أيامي ولا يلزمني الآن التقية وجاء سلطان الله فلا أخاف من سلطانهم.
قوله عليهالسلام : « المذمومة إلى أهلها » لعل المراد أنها مذمومة بما يصل منها إلى أهلها الذين ركنوا إليها كما يقال استذم إليه أي فعل ما يذمه على فعله ويحتمل أن تكون إلى بمعنى اللام ، أو بمعنى عند ، أي إنما هي لهم بئست الدار ، وأما للصالحين فنعمت الدار فإن فيها يتزودون لدار القوام.
قوله عليهالسلام : « أو حارشا عليهم » التحريش : الإغراء على الضرر والحرش الصيد ، ويطلق على الخديعة (١) ، والمعنى الأول هنا أنسب ، ولعل الحرش أيضا جاء بهذا المعنى وإن لم يذكر فيما عندنا من كتب اللغة.
__________________
(١) النهاية : ج ١ ص ٣٦٨.