المحبين يلتذّون بشراب طهورِ الجنّة في هذه النشأة أكثر منها في تلك النشأة.
وقد يذكر الله أوصافه للقارىء ، ويسيّره في بساتين صفاته الكماليّة ، فتارة في بستان الرحمانية ويريه ما هيّأ من الموائد وألوان النعم للكافر والمسلم ، وماله من النعم الخفيّة على العصاة والمذنبين ، وقد يسيّره في بستان الرحيمية ويريه ما أكرم به محبيه من الألطاف الخاصة.
وقد يسيّره في بستان الرازقية فيرى انّه ما من ورقة ولا شجرة ولا نبات الاّ ولها حظّ من رازقيته تعالى حتى تلك الورقة الضعيفة التي نبتت في آخر الشجرة ، فيصل رزقها من الجذر المستقر في الأرض بقدر مقسوم لا يزيد ولا ينقص.
وقد يسيّره في بستان قدرته اللامتناهية ، وقد يفتح له كنوز العلم والمعارف اللامتناهية ، ويعرض عليه من أنواع جواهر الحقائق ما يطيقه ، وكذلك في صفات الجلال والجمال والرفعة والكمال.
وربما نقل له أحوال محبيه وذكر كمالاتهم ، ويُظهر له لطفه بعباده حيث يذكر محبيه قبل آلاف السنين بغاية اللطف والشفقة ، ويمدحهم على النعم التي وهبها لهم ، ويذكر صبرهم وتحملهم للمشاق لأجله.
فإنّه تعالى يريد انماء رجاء العباد بذكر وسعة حلمه وكرمه بالنسبة إلى الماضين ، فما أكرمه ربّاً حيث يرغّب عباده في غاية اللطف والمداراة بالحور والقصور والأطعمة والأشربة ـ كالأب الشفيق والمعلّم العطوف ـ وذلك لأجل إيصالهم إلى درجة الكمال.
وربّما هدّدهم بأنواع العذاب ، فالتالي للقرآن بتدبر وتفكر ، والذي فتحت أبواب بساتين فيض الله اللامتناهي على عقله ، وأدركت عين قلبه أنوار المعارف