نؤمة (١) لا يؤبه له ، يعرف الناس ولا يعرفه الناس ، يعرفه الله منه (٢) برضوان ، اولئك مصابيح الهدى ، ينجلي عنهم كل فتنة مظلمة ، ويفتح لهم باب كلّ رحمة ، ليسوا بالبذر المذاييع ، ولا الجفاة المرائين (٣).
واعلم انّ من استقرت عظمة الله في نفسه ، وظهر له دناءة الدنيا وأهلها وحقارتها ، وعرف قدر أوقات عمره العزيز لا يعمل أيّ عمل حتى يعلم رضى الله فيه وانّه مفيد لآخرته ، فلا يضيّع عمره بالبطالة.
فاذا أكل وكان هدفه الأولى تحصيل الآخرة ولكي لا يضعف عن عبادة الله تعالى ويتقوى على الطاعة ، فلو كان هدفه هذا المعنى واقعاً من دون خطور في الذهن ، يكون أكله بهذه النية عبادة ويصير كلّه نوراً ، والقوّة الحاصلة منه تصرف نحو العبادة وطاعة الله تعالى.
وكذلك ينام كي يكون له حضور القلب عند العبادة ، ويكون عاملاً بقول الله تعالى حتى لا يضعف بدنه وعقله ، وإذا ذهب إلى بيت الخلاء قصد الطهارة من النجاسات والخبائث حتى يصير عند العبادة طاهراً مصفّاً ، ويقيم الصلاة بحضور القلب ، وقد مضى مجمل من تحقيق هذا المقام في أول الكتاب ، ويشير النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم هنا إلى أنّه لابدَّ لك في كلّ عمل من نية ولا تفعل شيئاً من دون قصد القربة حتى النوم والأكل.
وما قاله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ليعظم جلال الله في صدرك فلا تذكره كما يذكره الجاهل ... » فالمراد لا ينبغي ذكر الله تعالى في أيّ مقام من دون اعتناء واحترام ،
__________________
١ ـ النومة بوزن الهمزة : الخامل الذكر الذي لا يؤبه له.
٢ ـ أي من لدنه.
٣ ـ الكافي ٢ : ٢٢٥ ح ١٢ عنه البحار ٧٥ : ٨٠ ح ٢٩ باب ٨١.