الكلام فليدخل ، فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتّى ملأوا البيت والحجرة ، فما سألوه عن شيء إلاّ أخبرهم به وزادهم مثله ، ثمّ قال إخوانكم فخرجوا.
قال أبو صالح : فلو أنّ قريشاً كلها فخرت بذلك لكان فخراً ، فما رأيت مثل هذا لأحد من الناس ) (١).
وأخرج البسوي في ( المعرفة والتاريخ ) عن عبد الله بن أبي الهذيل أبي المغيرة قال : ( أردت الخروج فعلم بي أهل الكوفة فجمعوا مسائل ثمّ أتوني بها في صحيفة ، فلمّا قدمت على ابن عباس خرج فقعد للناس ، فما زال يسألونه حتّى ما بقي في صحيفته شيء إلاّ سألوه عنه ) (٢).
ولا يفوتني التنبيه على جانب مهمّ يجب أن يراعى عند الحديث عن خصوص تلامذته والرواة عنه ، وذلك أنّه كان عنده مجموعة من الموالي ، وبالطبع هؤلاء يكونون أكثر لصوقاًَ به وحضوراً عنده ، فهم يحضرون مجالسه ما داموا معه ، ويسمعون محاضراته أينما كان ، وقد ذكر بعضهم عنه كيف كان يبالغ في رعايتهم وتأديبهم ، وستأتي أخبار ذلك عند ذكرهم ، ومن البديهي أنّهم كانوا يتفاوتون في مداركم شأن سائر الناس ، لكن الذي ظهر لي إمتياز عكرمة البربري عن بقية الموالي ، بظاهرة كثرة روايته عن مولاه حتّى أتهم بالكذب ، ربما صح هذا فيه إلى حدّ ما. فالرجل كان متقلب الأهواء في العقيدة ، وكان يتطلب عطايا الأمراء ، ومن كان هكذا دنيّ النفس ، يبيعها بأبخس الأثمان لمن شاء ، لابد أن يناله التجريح ، وستأتي
____________________
(١) البداية والنهاية ٨ / ٣٠٢.
(٢) المعرفة والتاريخ ٢ / ٨١٦.