ثم بعد ذلك فإنّ المتقلّد لهذه المهمة سوف يعيش بين الناس عالمهم وجاهلهم ، فليس من الصعب إذن التحقق من صحّة هذا التقليد والتقدم ، وهذا ما وقع مبكراً مع الإمام الجواد عليهالسلام من قِبَل من استنكر شأنه ، وفي مجلس عقده المأمون وشحنه بأهل العلم ممّن هم حوله أذعن قاضي قضاته يحيىٰ بن أكثم بأنّ ابن الثامنة ، الجواد بن الرضا عليهماالسلام ، إن هو إلّا إمام معلَّم ، وليس هو بفتىٰ ملهم وحسب.. ثم عاش الإمام الجواد عليهالسلام تجربته كلها ومن حوله علماء فحول ، من أصحاب القرآن والحديث والكلام ، في عصر ازدهرت فيه العلوم وقعّدت قواعدها ، وأسست أصولها ، فلم يرَ منه أصحابه أو خصومه دون ما كانوا يرون من آبائه العظام من علم وحلم وحكمة ، وتلك تجربة أمّة امتدت به سبع عشرة سنة ، حتىٰ وفاته عليهالسلام ، وليس هناك في التاريخ قضية هي أثبت من تجربة أمّة.. فكيف إذا كانت تجربة في عصر عصيب ، يطارد الحكام أصحابها ، ومن قبل قتلوا جدّه الكاظم عليهالسلام سجيناً ، ثم اغتالوا أباه الرضا عليهالسلام ، ثم هم من حوله يتربّصون به وبأصحابه ؟! إنّ هذا لمن أهم ما يثبت عظمة تلك التجربة وعظمة رائدها الذي لو وجد فيه خصومه السياسيون وهم الحاكمون ، والدينيون وهم متوافرون ، من مغمزٍ لما توانوا في نشره ، بل لطربوا له ولنسجوا من حوله الحكايات والأساطير..
وفي صفحات إصدارنا هذا سنعيش مع هذه الظاهرة ، وفي رحاب رائدها الأول في تاريخ أهل البيت عليهمالسلام ، والثالث في دائرة الاصطفاء ، مؤدّين بعض الحق لهذا الإمام العظيم ، مستلهمين المزيد من الدروس والعبر.. وكم هو جميل أن يتزامن إصدارنا هذا مع مرور ألف ومئتي عام علىٰ وفاته سلام الله عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيّاً.
مركز الرسالة