النبيّ صلىاللهعليهوآله ، من وجهة نظر أهل السنّة والجماعة ، تقول الرواية :
قام رسول الله صلىاللهعليهوآله يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خُمّاً بين مكّة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ، ثمّ قال : أمّا بعد ألا أيّها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحثّ على كتاب الله ، ورغّب فيه ، ثمّ قال : وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي » (١).
وبعد تأكّدي من صحّة المصدر ، عدت إلى رواية كتاب الله وسنّتي ، لأبحث عن مصادرها ، فتبيّن لي أنّ أوّل من أخرجها هو مالك بن أنس في كتابه الموطّأ ، بلاغاً ، ولم يذكر سندها ، فقد جاء فيه :
عن مالك أنّه بلغه أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : « تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما ، كتاب الله وسنّة نبيه » (٢). والرواية البلاغ في مصطلح علم الحديث مصنّفة ضمن الأحاديث الضعيفة التي لا تستطيع أنْ تكون حجّة للعمل بمقتضاها ، إذا وجد في مواجهتها حديثاً أو عدداً من الأحاديث المسندة إسناداً صحيحاً.
انفرد مالك في موطّئه بإخراج الرواية ، ولم ينقلها بذلك السند أو بسند غيره أحد من أصحاب ( الصحاح ) ، بسبب عدم صحّة صدورها عن النبيّ صلىاللهعليهوآله من جهة ، وعزوف الرواة عن نقلها إلى المستوى الذي جعل مالكا ينقلها بلا سند من جهة أخرى.
وبظفري الذي تحقّق بالعثور على دليل يُمكنني من الإمساك بخيط الحقيقة ، ضاعفت جهدي في البحث ، فوجدت أنّ مسلم لم يكن وحده الناقل لحديث
_________________
(١) صحيح مسلم ٧ : ١٢٢ ـ ١٢٣.
(٢) الموطّأ ٢ : ٨٩٩.