الحلقة السابعة عشر
رزيّة الخميس هي التي شيّعتني
أمّا نبيل ، فقال : كنت في ما مضى ميّالاً للتصوّف ، توّاقاً للعزلة هربا من انحرافات المجتمع ، متوقّياً بذلك من الانسياق وراءها ، وتحمّل تبعاتها ، لكنّني بقدر ما تميزت الأجواء التي عشت فيها بروحيّة عالية ، لم أكن أعرفها من قبل ، بقدر ما شعرت بأنّ هنالك حلقة مفقودة في التصوّف حتّمت عليّ عدم الاطمئنان إلى ذلك المنهج ، الأمر الذي دفعني إلى البحث من جديد عن الطريق الذي يمثّل الإسلام الذي جاء به النبيّ الخاتم صلىاللهعليهوآله ، والذي يشكّل سبيل التواصل مع الله سبحانه وتعالى ، لكنّني وبكلّ أسف لم أهتد إلى حل يُسكن الطمأنينة في قلبي.
ومرّت الأيّام ، وأنا على حال من الحيرة والقلق ، إلى أن قيض الله لي رجلاً في زمن قلّ فيه الرجال وكثُر أشباههم ، قلب كياني ، وغيّر مجرى حياتي تغييراً هاما ، أوقفني على تلة الحقيقة ، وأوردني مشرباً رويّاً ، ملأتُ منه حافظتي ، وجمعتُ من خيره العميم ما يمكن أنْ يقيني سرابيل الذلّ بقيّة عمري ، ويكون لي سبباً من أسباب الفوز يوم تبيضّ فيه وجوه وتسوّد وجوه.
منذ اللقاء الأوّل مع ذلك الشخص ، اكتشفت أنّني لا أملك إلّا بعض مظاهر الدين وشكليّاته ، ولا أملك لها عمقاً في وجداني ، وأحسست بضآلتي أمام جبل من القرائن والحجج التي كان يستدلُّ بها ذلك الصديق ، وبقدر ما كان يتملكني الاستغراب ، وتأخذني الحيرة ممّا كان يلقيه إلي الرجل ، بقدر ما كنت أشعر بأنْ هناك نفس جديد يختلجني ، وإحساس بالوعي يأخذ محلّ الغفلة التي كانت تحاصرني ، كما كانت تحاصر الغالبيّة العظمى من المسلمين.