الحلقة الحادية والعشرون
اتّصال الاجتهاد وبقاء بابه مفتوحاً عند الشيعة هو الذي شيّعني
عليّ ، هو أيضاً واحد من شباب هذه الأمّة المنكوبة ، فتح عينيه منذ أنْ بدأ يعي ، على جملة من الحقائق ، دفعت به إلى أن يكون ملتزماً بأوامر خالقه ونواهيه ، فلم يستهويه شي من حطام الدنيا ، وكان جلّ همه منصبّاً في ناحية واحدة ، هي العمل من أجل إرضاء الخالق ونيل محبّته.
عرفته في مسجد الزمزميّة بمدينة قابس ، مواظباً على صلواته فيه ، وخصوصا صلاة الصبح التي لم يكن يثنيه عارض ، ولا يمنعه طارىء عن حضورها ، ونيل ثواب أدائها جماعة ، أكبرته منذ أن تعرّفت عليه ، ولم يمض يوم إلّا وقد ازداد في نفسي تميّزاً وقرباً واحتراماً ، ، لذلك كنتُ أبادر بتحيّته والسلام عليه ، قبل أنْ يسبقني إلى ذلك.
تحدّث عليّ عن سبب انتقاله من مذهب
المالكيّة ، إلى خطّ التشيّع الإماميّ الاثني عشري ، فقال : عشت وسط مجتمع مالكيّ المذهب ، انتسب إليه في عموم قطّاعاته وراثياً ، لذلك لم ينشأ بينه وبين ذلك المذهب رباط متين ، يؤهل إلى انتقال تلك العلاقة من إطارها السلبيّ إلى إطار أكثر ايجابيّة ، وككلّ الذين دخلوا
إلى الدين من بوابة التطبيق الأعمى ، لم أسعّ إلى معرفة حقيقة الخالق ، ولا اتّجهت
إلى التعرّف على أبجديات التوحيد اللازمة كي تصحّ عباداتي ، وتكون موجّهة إلى من له الفضل في خلقي ونشأتي ، ولا التفتّ إلى مختلف أبواب الفقه ، لتكون عباداتي صحيحة ومقبولة ، وفق الأحكام المدرجة بتلك الكتب ، كلّ ما في الأمر أنّني استجبت إلى نداء والدي ، وانصعت لأمره ، فصلّيت خلفه ، وصمت معه هكذا