الحلقة الثالثة والعشرون
مناهضة الشيعة للظالمين على مرّ التاريخ هو الذي شيّعني
استهواه الأدب بشتّى أصنافه ، وعلى وجه الخصوص الآداب العربيّة ، والتاريخ الإسلامي ، ودفعه شغفه بالشعر إلى توق التخصّص في الآداب العربيّة ، فكان اختياره على كليّة الآداب والعلوم الإنسانية ، ليواصل فيها دراسته العليا ، إنّه نور الدين ، الشابّ الذي عُرف بدماثة أخلاقه ، ورفعة شخصيّته ، منذ أنْ كان صبيّاً يافعاً ، وتطلّع روحه إلى الخير شيمة درج عليها ، حتّى استوى عوده ، لم أجد فيه مذ عرفته سوء يعرفه به الناس ، ولا وقفت له على غميزة يستحقّ بها التجنّب والمباعدة ، فقلت في نفسي كما قالت ابنة شعيب لوالدها : ( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) (١). هذا خير عنصر استأمنه على ما يختلج في صدري ، فيكون لما أبثّه له محلّ جدارة واستحقاق ; لطيب عنصره ; ولصفاء روحه ; فلم أجد لديه ما يعكر حديثي ; ولا ظهر لي من تقاسيم وجهه ما ينبىء بعدم تقبّل مقالتي ، وأنا أدعوه إليها ، وكان تجاوبه مع حديثي ، وانسجامه مع كلامي ، يدلّان على أنّ عامل الوراثة الذي اتّبعه أغلب المسلمين ليس له تأثير على ذوي الأنفس المطمئنة ، ولا على ذوي العقول المنفتحة على هذا العالم الرحب بعلومه المتنوّعة ، ممّا سيعطي للحقّ صولة تنكشف فيها أساسات الباطل فيُنسف نسفاً ، ويعود دين خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآله محمدي المولد ، علوّي البناء ، ومهدويّ الدولة والنظام الإسلاميّ المنشود.
دعوته إلى جلستنا ليقول كلمة حول الظروف التي أحاطت بانتقاله من
_________________
(١) القصص : ٢٦.