الحلقة السادسة عشر
النظر في المذاهب الإسلاميّة هو الذي شيّعني
إبراهيم ، شابّ أسمر اللون كسمرة أسامة بن زيد ، أوصله بحثه ، ووقف به تحقيقه عند قناعة لا تثنيها رياح الشكّ ، ولا يغيّر من انطباعها في قرارة نفسه عامل من عوامل الريبة ، جاء دوره في الكلام فقال :
كنت في ما مضى معتنقاً المذهب المالكي على أساس التبعيّة الوراثيّة ، دون نظر ولا تحقيق ، وكان اعتقادي واعتقاد أهلي آنذاك بأنّ الذي نتقرب به إلى الله من أحكام وشعائر هي الإسلام ، ولم نكن نرَ إسلاماً غير الذي وجدنا أنفسنا عليه ، فلم نتساءل أو نشكّ في أمر من أموره على الإطلاق ، لأنّنا في العموم نفتقد إرادة البحث التي عادة ما تطرأ على الباحث من شكّ وريبة ، لتناقض الأدلّة ، أو لتعارض الأفكار بحيث تدفع صاحبها إلى ذلك السبيل من البحث ، وتجرّه إلى ميدان مقارعة الحجّة بأختها ، عندها فقط يتميّز الخبيث من الطيب ، ويعلو منبر الحقّ ويردّد الفضاء صدى براهينه ، وتداعب نسمات خيره آذان الواعين ، فتنير به قلوبهم وتتفتح عليه عقولهم ، فلا يأنسون إلّا به ، ولا يسكنون إلّا إليه ..
لمّا نظرت في المذاهب والفرق الإسلاميّة ، لم أجد فريقاً ولا مذهباً متصلاً بالنبيّ صلىاللهعليهوآله وبعهده ، اتّصالاً وثيقاً لا فاصلة بينه ، غير مذهب أهل البيت عليهمالسلام ، بينما انقطعت بقيّة المذاهب عن عصر النبوّة انقطاعاً مفرطاً ، لا يدعو العاقل إلى الإطمئنان إليها ، وقد وصلتُ إلى هذه القناعة على الرغم من أنّ الذين كتبوا في تاريخ الفرق ، لم يكونوا أمناء في نقلهم ، وكانوا في معظمهم متحاملين على غير خطوطهم ، وتجنّد معظمهم لنقل كلّ ترّهة ودعاية تمسُّ من صحّة وصدق خصومهم.