كانت بداياتي وبدايات أكثر المسلمين ، أمّا جذوري فلا أعتقد أنّها مالكيّة ، لأنّني استفسرت نفسي واستفتيتها فلم أجد فيها أيّ تعاطف أو ميل نحو هذا المذهب ، وأراه في عقلي ووجداني أضيق من أنْ يتّسع للإسلام العظيم ، ولا هو في مستوى يؤهّله ليحمل تحت اسمه تفاصيل الإسلام المحمّدي الأصيل ، الذي جاء ليكون خاتم الرسالات وخلاصة الدساتير الربانيّة.
أولى الملاحظات التي تراءت لي وأنا في بداية خطواتي العباديّة هي تذبذب الناس ، وعدم فهمهم لأحكام السهو والشك في الصلاة ، ووقفت على الخلل الذي أشيع في المصلين من اتباع مالك بإحداث السجود القبلي ، اقتداء بإمامهم الذي أسّس لتلك البدعة ، وجعل منها حلّاً لتصحيح الصلاة ، والحال أنّه يعتبر زيادة في عدد السجدات ، ممّا يرجّح بطلان الصلاة بتلك الزيادة.
وتساءلت : عن السبب الذي جعل الأمّة تعجز عن القفز فوق عقبة المذاهب ، وتتصاغر عن ولادة فقهاء يضاهون الفقهاء القدامى أو يفوقونهم علماً وعملاً ، حتّى أيقنت بعقم هذه الطوائف. وما الذي أوقف الاجتهاد وحصره في عدد من المذاهب استمرّ العمل بمقتضى أحكامها هذا الزمن الطويل ، رغم ثبوت ترك أصحابها العمل بقسم من أحكامها ؟ وهل كانت تلك المذاهب في محتواها مستجيبة لحاجات أتباعها ؟ ولماذا أصبح اتّباعهم لها إلزاميّ بحيث لو أصدر أحد علمائهم فتوى في مسألة مستحدثة أفتى تبعاً لذلك المذهب ، ولم يستقلّ بفتواه ؟
لقد مثل تعطيل الاجتهاد وسدّ بابه
بالنسبة لأتباع تلك المذاهب ، بداية تخلّف الأمّة الإسلاميّة ، وقد كان دور خلفاء بني العباس ومن جاء بعدهم ، في غلق باب الاجتهاد وحصره في مذاهب معدودة ، هامّاً وأساسيّاً ، ولا يخفى أنّ ذلك المنع والحصر ، كان بسبب ميل هؤلاء الطغاة لحمل الأمّة ، على اتّباع هؤلاء الفقهاء فقط ، دون غيرهم ، رغم تعدّد المجتهدين في تلك العصور ، وتفوّق الكثيرين منهم