على أصحاب المذاهب التي استطاعت البقاء والاستمرار بفضل دعم الأنظمة لها ، لأنّها كانت من تأسيس أولئك الحكّام ، أو هي موالية لهم ، فالموّطأ على سبيل المثال ، كُتب بأمر من الخليفة المنصور الدوانيقي العباسي ، وهو من حرّض مالكا على تأليفه ، وحمل الناس على التقيّد بفتاواه بعد ذلك ، مع أنّ مالكاً هذا لم يكن له شأن يذكر ، في مدينة تعجّ بكبار الأساتذة والعلماء ، وعلى رأسهم الإمام أبي عبد الله جعفر ابن محمّد الصادق عليهالسلام ، الرجل المعارض لنظام الحكم العبّاسيّ ، والذي تخشى السلطة جانبه ، بسبب مكانته العلميّة المتميّزة التي حاز عليها ، وتوافُد الناس عليه من كلّ حدب وصوب ، ونسبته إلى أهل البيت الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وفرض مودّتهم على المسلمين كافّة ، وبسبب وفرة علومهم وعلوّ كتبهم في كلّ مجال ، أحقيتهم من غيرهم بقيادة الأمّة الإسلامية ، وقد تقلّدت بيعتهم نخب من الأجيال الإسلاميّة ، التي تعاقبت منذ وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله إلى اليوم ; لذلك اتّجهت تلك السلطات إلى صرف الناس عنهم بشتّى السبل والوسائل ، فسعت إلى إيجاد بديل عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ، يكون ولاءهم للسلطة مضموناً ، فجاءت تلك المذاهب وفق ما كانت ترجوه ، وفوق ذلك فقد حرّمت على أتباعها الخروج على الظالمين ، طالما أنّهم يُصلّون ، غير ملتفتة إلى أنّ الإسلام ليس صلاة فقط ، وقد يؤدّي الإنسان صلاته أداء لا ينفعه ، ولا يزيده من الله إلّا بعداً. وفتاوى طاعة أئمّة الظلم والجور ، ما كان لها أنْ تكون لولا الأحاديث المكذوبة على النبيّ صلىاللهعليهوآله ، والتي تلقّاها علماء السوء بالمباركة والقبول ، وخصّصوا لها في كتبهم باباً يجيز على الأمّة اتّباعهم.
ومقابل غلق باب الاجتهاد عند بقيّة
المذاهب ، وجد مقابلها خطّ لم يقع سدّ باب الاجتهاد فيه ، ولا اصطلح عليه تحت اسم شخص واحد ، فالإسلام الشيعيّ الاثني عشري لم يختلف أئمته الاثنا عشر ، ولم يتناقضوا فيما بينهم ، ولا ظهر