ثمّ إنّ أصحاب تلك المذاهب قد تخلّوا عن كثير من المسائل التي أفتوا فيها ، فقالوا بخلافها دون أنْ تصل إلى الناس نقائض تلك الفتاوى ، كما صرّح بذلك السيوطي في شرح موطّأ مالك ، وكما هو الشأن كذلك بخصوص كتاب الشافعي الذي ألّفه في مصر ، فلم ير له أثر بعد ذلك ، وبقيَ فقهه الأول الذي ألّفه في العراق ، تماماً كما أُسقط فقه واجتهادات أصحاب بقيّة المذاهب ، التي اندثرت بحكم عدم مساندة الحكّام لها ، فذهبت برحيل أصحابها.
الحقيقة الماثلة بين أيدينا الآن تقول : إنّ حياة تلك المذاهب واستمرار بقائها ، ما كان له أنْ يتمّ ، لولا مساندة العباسيين والمماليك العثمانيين لها ، بينما تُرك ما لم يوافقهم في الرأي ، وحورب كلّ من وقف في وجه الظلم والتحريف ، ولم يكن هناك من يجرأ على الوقوف في وجه الظلم وأهله ، دفاعاً عن الدين ، غير أئمّة أهل البيت عليهمالسلام وشيعتهم ، الذين استبسلوا في الذود عن حياض الدين الحقّ ، وحفظه من الضياع.
وبقاء خطّ أهل البيت عليهمالسلام منذ أنْ دعا رسول الله صلىاللهعليهوآله الصحابة إلى اتّباعه من بعده ، فاستجاب لذلك ثلّة من خلّصهم كسلمان الفارسي ، وأبي ذر الغفاريّ وعمار ابن ياسر ، والمقداد بن الأسود ، وغيرهم ، من دون سند إلّا دفاع الله تعالى وإرادته في حفظ دينه ، إلى أن وصلنا اليوم غضّاً طريّاً لم تشبه شائبة بدعة أو تحريف ، دليل مادّي على أنّ هذا الخطّ هو الذي يمثّل فعلاً دين محمد صلىاللهعليهوآله ، لأنّه وصل إلينا بفضل الله ، متخطّياً عقبات جمّة ، لو وضعت واحدة منها في طريق تلك المذاهب التي تدّعي السنّة النبويّة باطلاً ، لانمحت من كتب التاريخ ، فضلاً عن استمرارها إلى اليوم.
تتلمذ أبو حنيفة ومالك بن أنس على عدد
من أجلّة العلماء ، على رأسهم الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الملقب بالصادق عليهالسلام
، الذي وُلد في المدينة