رأيك المالك والمملوك ، وأيّهما الوارث والموروث ؟
قال أبو حنيفة : إنمّا أنا صاحب حدود.
قال عليهالسلام : فما ترى في رجل أعمى فقأ عين صحيح ، وأقطع قطع يد رجل ، كيف يقام عليهما الحدّ ؟
قال أبو حنيفة : إنّما أنا رجل عالم بمباعث الأنبياء. قال عليه السلام : فأخبرني عن قول الله لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون : ( لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ) (١) ولعلّ منك شكّ ؟
قال : نعم.
قال عليهالسلام : وكذلك من الله شكّ إذ قال : لعلّه ؟
قال أبو حنيفة : لا علم لي.
قال عليهالسلام : تزعم أنّك تفتي بكتاب الله ، ولست ممّن ورثه ، وتزعم أنّك صاحب قياس ، واول من قاس إبليس لعنه الله إذ قال ( خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) (٢) ولم يبنَ دين الإسلام على القياس ، وتزعم أنّك صاحب رأي ، وكان الرأي من رسول الله صواباً ، ومن دونه خطأ ; لأنّ الله تعالى قال : ( لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ) (٣) ولم يقل ذلك لغيره ، وتزعم أنّك صاحب حدود ، ومن أنزلت عليه أولى بعلمها منك ، وتزعم أنك عالم بمباعث الأنبياء ، وخاتم الأنبياء أعلم بمباعثهم منك ، ولولا أن يقال : دخل على ابن رسول الله فلم يسأله عن شي ، ما سألتك عن شي ، فقس إنْ كنت مقيسا.
قال أبو حنيفة : لا أتكلم بالرأي والقياس في دين الله بعد هذا المجلس.
_________________
(١) طه : ٤٤.
(٢) الأعراف : ١٢.
(٣) النساء : ١٠٥.