عصر الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام إلى اليوم ، بقاء باب الاجتهاد مفتوحاً ، وفوق ذلك ومن أجل بقاء الاجتهاد عاملاً فاعلاً في المجتمعات الإسلاميّة ، لم يجز أغلب علماء الشيعة الإماميّة الاثني عشريّة تقليد المجتهد الميت ابتداء ، لدعم المجتهد الحي ، وفسح المجال أمامه ليؤدّي دوره في إرشاد الأمّة والنصح لها ، وتلبية حاجياتها في ما يتعلّق بكافّة أوجه ومجالات الحياة.
وما كان لهذه المكاسب العظيمة أن تتمّ لولا اكتمال الإسلام بدور أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ، الذين وإن لم يتمكّنوا من بلوغ سدّة الحكم بسبب تقصير الأمّة عن لعب دورها في تمكينهم من ذلك ، فقد مارسوا دورهم الأصلي في حفظ الشريعة وبثّها وترسيخها في الأجيال الإسلاميّة التي عاشوا بينها ، وكانوا المؤسسين لجامعة العلوم الإسلاميّة ، التي كانت مقصداً لطلبة العلوم من المسلمين ، يدرسون فيها مختلف المواد العلمية ، من فقه ومنطق وفلسفة وغيرها من فنون المعرفة ، وكان للإمامين الباقر والصادق دور في تأسيس تلك الجامعة التي سمّيت في عهد الشيخ الطوسي قدس سره بالحوزة العلمية.
وما الأمر الذي تركه الأئمّة عليهمالسلام بخصوص الاجتهاد والتقليد ، إلّا دليل على عنايتهم بمسألة استمرار عطاء الدين ، وتواصل فاعليّته وإشعاعه ، على المستويين القيادي والقاعدي ، فقد جاء عنهم عليهمالسلام : « المتعبّد على غير فقه كحمار الطاحونة » (١). في إشارة إلى ضرورة الاعتماد على الفقهاء في المسائل المتعلّقة بالدين ، وكلّ من لم يسلك طريقاً إلى الفقيه فعمله لا قيمة له. وجاء عنهم عليهمالسلام أيضا : « فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفاً لهواه ، مطيعاً لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلّدوه » (٢). في إشارة منهم إلى شروط تقليد المجتهد ،
_________________
(١) الاختصاص : ٢٤٥.
(٢) الاحتجاج ٢ : ٢٦٣.