ولم تتّعظ يوماً من بطلان مسلكها ، ومنذ ظهور عليّ عليهالسلام ووضوح مقامه ، لم يجد هذا الرجل الفذّ أتباعا ، غير المستضعفين من أمثال أبي ذر وعمّار وسلمان والمقداد ، ومقابل ذلك ظهرت أضغان النفاق والشرك من خلال التحريض عليه والوشاية به ، اعتقاداً من هؤلاء بإمكانيّة إسقاط عليّ عليهالسلام ، وزحزحته من قلب النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فلم يزد تكالبهم على الوقيعة بعليّ عليهالسلام ، إلّا رسوخاً لمحبّة أمير المؤمنين في كلّ الأفئدة ، التي رفضت الدنيا وباطلها وزيفها وبهرجها ، وكلّما خرج حبّ الدنيا من قلب مؤمن ، تهافت عليه طلّابها ، فوضعوه في قلوبهم ; لذلك لم يجتمع حبّ علي عليهالسلام ، وحبّ الدنيا في قلب مؤمن أبداً ، وبقيت هذه المعادلة مقياساً صحيحاً ، يعرف به المتّجه إلى الله تعالى ، من المتّجه إلى الشيطان والدنيا.
قلت له : فماذا قدّم الشيعة إذاً للإسلام ؟
قال : قدّموا كلّ خير ، وأظهروا كلّ جميل ، وبيّنوا كلّ لبس ، وعاشوا بين الناس بأبدان قلوبها معلّقة بالمحلّ الأعلى ، فخيرة الصحابة كانوا شيعة عليّ وأهل بيته عليهمالسلام ، وخيرة التابعين هم أيضاً شيعة أهل البيت عليهمالسلام ، كلّ جيل من الأجيال الإسلاميّة ، مثّل الشيعة نخبتهم وخيرتهم بدون مبالغة ، وبكلّ تواضع أقول لك : إنّنا إذا صنّفنا وميّزنا العلماء ، لوجدنا علماء الشيعة هم أفضل العلماء ، بدليل ما كتبوه للأمّة الإسلاميّة وللناس جميعاً ، وإذا صنّفنا عامّة الناس وجدنا عامّة الشيعة هم أفضل عامّة ، لقول الأئمّة عليهمالسلام : « ليس من شيعتنا مَن يكون في مصر ، يكون فيه مائة ألف ، ويكون في المصر أورع منه » (١) ، وكان حثّهم لأتباعهم على العمل الصالح ، وتطبيق أحكام الله تعالى ، من أولى أولوياتهم ، فقالوا : « كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم » (٢). حتّى الشعراء فإنّك إذا وردّت دواوينهم ، وجدت أنّ
_________________
(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٤٧.
(٢) الكافي ٢ : ٧٨.