فهو عند تسلّمه زمام الحكم ، قد عزل جميع الولاة الذين اعتمدهم الخليفة الثالث عثمان ، وقيل له أنْ لا يتعجّل في عزل معاوية الطليق ، فأبى ، وردّ مستشهداً بقوله تعالى قائلاً : ( وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ) (١) (٢) فكيف يأنس والحال تلك بيهودي لا يعلم أصله من فصله ؟
ثمّ إنّ محيط عليّ عليهالسلام أتباعاً وأعواناً وجيشاً ، كلّهم من العلماء وحفظة القرآن وزهّاد القوم وخيرتهم ، فكيف يستقيم الاعتقاد بأنْ يوجد مشبوه بينهم ، أو أنْ يستطيع منافق أو عدو من أعداء الله أن يحوز مكاناً بين هؤلاء الأتقياء ، على أنّ عدداً من الباحثين والمحقّقين قد انتهوا إلى أنّ شخصيّة عبد الله بن سبأ ، ليست إلّا دعاية مغرضة صنعها الدهاء الأمويّ ، لينفّر الناس عن إسلام أهل البيت عليهمالسلام ، الإسلام الشيعيّ.
وإذا فرضنا أنّها شخصيّة حقيقيّة ، مارست دورها وقامت بمهمّتها على أحسن وجه في التنقّل بين الحجاز والعراق ومصر ، لدعوة المسلمين إلى ولاية أهل البيت عليهمالسلام ، وكونهم الأحقّ والأولى بتقلّدها منذ البداية من غيرهم ، فلا يمكنها أنْ تعدو الصحابي الجليل عمّار بن ياسر ذوي الأصول اليمنيّة ; لأنّ كلّ ذي أصل يمنيّ يشترك في نسبته إلى سبأ ، التي تعتبر رمز اليمن واليمنيين.
قلت له : كلامك منطقيّ وتحليلك لا يستطيع منصف أن يتجاهله ، إلّا أنّني أتساءل عن السبب الذي جعل الغالبية العظمى من المسلمين تتنكّب عن نهجهم ؟
قال : وهل لتلك الغالبية من المسلمين القدرة على غير ذلك الفعل ، طالما أنّها جعلت مقاليد دينها بين أيدي أعدائها من الطغاة والظلمة ، واستمرّت عل ذلك دهراً طويلاً ، وهي إلى اليوم تراوح في مشيّها على نفس الطريق ، وبنفس الوتيرة ،
_________________
(١) الكهف : ٥١.
(٢) الأمالي للطوسي : ٨٧.