نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) (١).
كانوا يسارعون لنيل رضاه ؛ لأنَّهم علموا أنَّ رضاه من رضىٰ الله سبحانه وتعالىٰ.
فلماذا إذاً لم يأمرهم بكتابة وصيَّته ـ التي لا ضلال بعدها ـ إلاَّ قبل أيَّام من رحيله عن هذه الدنيا ؟! وهل كان يجب عليه أن يتمهَّل في الأمر إلىٰ حين من الزمن قد يُثار فيه شكٌّ من نوع الشكِّ الذي ألقاه عمر بين الصحابة ؟
فهل حقّاً أنّه لم يشر إلىٰ الوصيَّة من قريب أو بعيد في حياته الشريفة كلِّها ؟!
ذكرنا أنَّ أصل الوصيَّة أن تكون مشهودة ، ولا يشترط فيها أن تكون مكتوبة ، وإنما يلجأ صاحبها إلى الكتابة إذا خشي عليها أن تُضيّع .. وهذه الحالة لا تكون على الأغلب إلاّ ساعة الاحتضار كما جاء في الآيتين التي أوردناهما هناك ، التعبير بحضور الموت ، وهذا ما نسمّيه بالاحتضار. ولكنه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكتفِ بهذا ، بل وهذا ما فعله صلىاللهعليهوآلهوسلم .. وأوصىٰ بالوصيَّة لعدَّة مرَّات وأمام جمع غفير من المسلمين ، وذكرها مراراً وتكراراً لتكون درعاً واقياً للأُمَّة من الاختلاف والنزاع.
ومع هذا حدث ما حدث من اللغط والهرج أثناء دعوة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بالكتف والدواة ؛ لأنَّ الصحابة يعلمون علماً يقيناً لا يشوبه أيُّ شكٍّ بما سيوصي به الرسول ، لذلك كان عليهم أن يقفوا منه موقفاً مناسباً من آخر إشارة يطلقها الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويمنعوا من
__________________
(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٢٣.