والسرّ في ذلك كلّه هو أنّ العام والخاصّ المخالف له يكونان بالنظر العرفي كدليل واحد يدلّ على ثبوت حكم ذلك العام فيما عدا ذلك الخاصّ ، وهذه النتيجة إذا قيست إلى ما قابل ذلك العام كانت أخصّ منه ، سواء كان ذلك المقابل للعام مبايناً له أو كان بينهما العموم من وجه إذا كان مفاد ذلك الأخصّ هو إخراج مادّة انفراد العام عن مقابله.
وبالجملة : أنّ ملاحظة العام مع ما يكون أخصّ منه وعملية التخصيص سابقة في الرتبة على ملاحظته مع معارضه بالعموم من وجه أو بالتباين ، لأنّ الأُولى لها المدخلية في تكوين حجّية العام ، بمعنى أنّ تأليفه مع الخاصّ والجمع بينهما بحمل العام على الخاصّ يكوّنه دليلاً واحداً وحجّة مستقلّة ، بخلاف الملاحظة الثانية فإنّها ـ أعني ملاحظته مع الدليل الآخر والحجّة الأُخرى ـ إنّما تكون بعد الفراغ عن حجّيته ودليليته ، وهذا في المعارض المباين واضح ، لأنّ الأُولى مرحلة دلالية والأُخرى مرحلة سندية.
وكذلك الحال في المعارض بالعموم من وجه ، فإنّ التعارض فيه وإن لم يكن راجعاً إلى مرحلة السند ، إلاّ أنّه راجع إلى المعارضة في أصالة العموم في كلّ من العامين من وجه ، ووجود المخصّص لأحدهما يسقط أصالة العموم فيه ، وحيث قد سقط فيه العموم وانقلب إلى الخاصّ ، كان هو مسقطاً لأصالة العموم في طرفه.
ومن ذلك يظهر لك التأمّل فيما أفاده العلاّمة الاصفهاني قدسسره في حاشيته على الكفاية ، فإنّه في حاشيته بعد بيان أنّه لا موجب لتقديم التخصيص بأحد الخاصّين فيما لو كان في قبال العام الواحد خاصّان ، قال ما هذا لفظه : وأمّا إذا فرض عامان من وجه وكان في قبال أحدهما بالخصوص خاصّ ، فهل هو كالأوّل من عدم