لهم الريب في الثانية ، وإن لم يكن بين الروايتين تناف وتعارض ، ولازم ذلك هو جريهم على طبق الأُولى وتوقّفهم في الثانية ، وذلك عبارة أُخرى عن كون الأُولى حجّة في نظرهم دون الثانية ، وهو معنى ما تقدّم من كون ذلك من قبيل تمييز الحجّة عن غيرها لا من قبيل المرجّح لإحدى الحجّتين على الأُخرى.
قوله : وأمّا قوله عليهالسلام : « فإنّ الرشد في خلافهم » فالأمر فيه أوضح ، فإنّ التعليل لا ينطبق على ضابط منصوص العلّة ... الخ (١).
أفاد قدسسره أنّ هذا ليس من منصوص العلّة ، بل هو من قبيل حكمة التشريع. وثانياً : أنّه لو سلّم كونه من قبيل العلّة المنصوصة فلا ينفعنا في التعدّي إلاّ إلى كلّ ما فيه خلافهم ، لأنّ الصغرى حينئذ هذا خلافهم وكلّ خلافهم رشد.
قلت : الظاهر أنّه لو قلنا إنّ ذلك من قبيل منصوص العلّة لكان قوله عليهالسلام « فإنّ الرشد » الخ (٢) من قبيل التعليل بصغرى لكبرى مطوية ، ويكون المتحصّل : أنّ هذا خلافهم وكلّ خلافهم رشد وكلّ رشد متّبع ، ويكون الحاصل هو التعدّي إلى كلّ ما كان فيه الرشد فتأمّل ، فإنّ التعدّي إلى كلّ ما هو رشد لازم ، ولكن الكلام في صغرى الرشد ، وأيّ مرجّح أردنا الترجيح به ممّا هو خارج عن هذه المرجّحات يكون محقّقاً لكون مورده رشداً.
وأمّا ما أُفيد من الإشكال على كون خلافهم رشداً بقول مطلق بأنّه ربما يكون قولهم مطابقاً للواقع ، فلا يخفى أنّه خارج عمّا هو المفروض من صورة عدم العلم ، فلا مانع من جعل قولهم مع قطع النظر عن الأدلّة الخارجية أمارة على
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٧٧٧.
(٢) وسائل الشيعة ٢٧ : ١١٢ / أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ١٩ ، وورد مضمونه في مقبولة عمر بن حنظلة الواردة في ح ١ من المصدر المذكور.