هو الأوصلية إلى الأحكام الواقعية ، فليس الوجه في تقديم صاحبها على غيره تعبّدياً صرفاً ، نظير ما لو قال : يقدّم حكم أطولهما قامة ، بل إنّ هذه الصفة لها تمام المدخلية في المقام من النزاع في الحكم الواقعي ، فيكون صاحبها مقدّماً لكون نظره ورأيه مقدّماً على رأي غيره.
ثمّ إنّه لا يرد على دعوى كون الرواية من باب الحكومة الاصطلاحية التي هي عبارة عن فصل الحكومة ، بأنّه كيف جاز للحاكم الثاني الحكم على خلاف حكم الأوّل ، لأنّ ذلك يكون نقضاً له ، فلابدّ من تنزيل الحكم فيها على الحكم العرفي أعني بيان الفتوى ، كما تضمّنته التقارير المنسوبة إلى الشيخ قدسسره (١) ، لإمكان الجواب عن ذلك بأنّ قضاء التحكيم فيما لو عيّن أحد المتخاصمين حَكماً والآخر آخر وتراضيا بذلك ، لا مانع منه ، كما ربما يعطي ذلك سؤال [ الراوي ] بقوله : « فإن كان كلّ منهما اختار رجلاً من أصحابنا » الخ (٢) ، بعد أن أمر الإمام عليهالسلام بالمرافعة إلى علمائنا ومنع من الرجوع إلى حكّام الجور ، وأنّ الرادّ على الحاكم رادّ على الله ، فإنّ هذا السؤال والجواب منه عليهالسلام كاشف عن أنّ عدم جواز النقض والردّ إنّما هو في الصورة الأُولى وهي كون الحاكم واحداً ، وأمّا الثانية التي فرضها السائل فحكمها هو ما أمر به الإمام عليهالسلام من الترجيح في صورة الاختلاف.
فتلخّص لك من هذا : أنّ هذه الرواية الشريفة صالحة للاستدلال بها للترجيح في مقام الفتوى ، وفي مقام الحكم لكن بصفات المفتي والحاكم ، وللترجيح في مقام الرواية لكن بما أمر به الإمام عليهالسلام من المرجّحات التي ذكرها بعد الصفات ، وإن أمكن أن تكون الصفات مرجّحة للرواية ، لكنّها لم تذكر في
__________________
(١) مطارح الأنظار ٢ : ٥٤٣.
(٢) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٦ / أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ١ ( مع اختلاف يسير ).