وقد يقرّب (١) هذا القول بتقريب آخر ، وهو مبني على كون أصالة عدم النسخ من الأُصول الجهتية وأصالة العموم من باب الظهور ، وحينئذ يكون المقام من دوران الأمر بين رفع اليد عن أصالة العموم في العام أو رفع اليد عن الأصل الجهتي فيه ، ولا إشكال في تقديم الأوّل على الثاني ، لأنّ حجّية الظهور إنّما هي فيما لو أُحرز كون المتكلّم في مقام بيان الواقع ، ففي المقام يعلم بأنّ أصالة الظهور على خلاف الواقع بالنسبة إلى ذلك الخاصّ ، إمّا لعدم العموم أو لعدم كون المتكلّم في [ مقام ] بيان الواقع ، وحينئذ لا يمكن إعمال أصالة الظهور في ناحية شمول العام للخاصّ ، فيبقى أصالة الجهة بحاله.
وفيه : ما لا يخفى ، فإنّ هذا العلم المتعلّق بأنّ الحكم في الخاصّ هو على خلاف العام إمّا لكونه مخصّصاً به أو لكونه ناسخاً له ، يقتضي سقوط كلا الأصلين على ما مرّ في التقريب السابق ، لا أن يكون الساقط هو أصالة العموم فقط لتبقى أصالة عدم النسخ التي هي أصل جهتي جارية بلا معارض ، هذا.
مضافاً إلى ما عرفت ممّا يرد على التقريب الأوّل من ظهور الثمرة فيما يقدّم من الأعمال على صدور الخاصّ ، ومن أنّه لا أثر للعلم التفصيلي المتولّد من العلم الاجمالي في عدم جريان الأصلين ، بل يكون كلّ منهما جارياً ولكنّه معارض بالآخر ، ومن أنّ الأصل الجهتي بعد تمامية الأصل المرادي أعني أصالة العموم ، ومع وجود الخاصّ لا يجري الأصل المرادي أعني أصالة العموم ، وهذا الأخير ـ أعني تقدّم الأصل المرادي رتبة على الأصل الجهتي ـ يكون جارياً ونافعاً حتّى في مورد تقدّم الخاصّ وتأخّر العام ، فمع الاعتراف بكون أصالة عدم النسخ من
__________________
(١) حقائق الأُصول ٢ : ٥٧٩ [ ولا يخفى أنّ هذا تقريب للقول بتقديم أصالة عدم النسخ ، فلاحظ ].