تعالى : « نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون » (١). فيكون كناية عن صونه من جميع انحاء شوائب التغيير والزوال.
او انه لما كان محفوظا في الصدور ، يتلوه اكثر الامة ظاهرا ، كما قال الله تعالى : « بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم » (٢) ولذا جاء في صفة هذه الامة : صدورهم اناجيلهم.
بخلاف سائر الكتب السماوية ، فانها ما كانت تقرأ الا من المصاحف ، كما ذكره صاحب الكشاف (٣) ، لا يقدر احد على تحريفه وتغييره ، فكأنه تعالى لما جعله محفوظا في الصدور ، جعله على وجه لا يغرقه الماء ولا تحرقه النار.
وفي نهاية ابن الاثير : فيه انه قال فيما حكى عن ربه : وانزل عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان ، اراد انه لا يمحى ابدا بل هو محفوظ في صدور الذين اوتوا العلم ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وكانت الكتب المنزلة لا تجمع حفظا ، وانما يعتمد في حفظها على الصحف ، بخلاف القرآن ، فان حفاظه اضعاف مضاعفة لصحفه. وقوله « تقرؤه نائماً ويقظان » اي : تجمعه في حالة النوم واليقظة. وقيل : اراد تقرؤه في يسر وسهولة (٤) انتهى.
وفي حديث عقبة بن عامر : لو كان القرآن في اهاب ما اكلته النار (٥).
قال ابو عبيد : اراد بالاهاب قلب المؤمن وجوفه الذي قد وعي القرآن فيكون المعنى من علمه الله القرآن لم تحرقه نار الاخرة ، فجعل جسم حافظ
____________
(١) الحجر : ٩.
(٢) العنكبوت : ٤٩.
(٣) الكشاف : ٣ / ٢٠٩.
(٤) نهاية ابن الاثير : ٣ / ٣٦٧.
(٥) كنز العمال : ١ / ٥١٧ ، برقم : ٢٣١٢.