دعائهم ومسائلهم. وقد امتدح الكتاب العزيز المؤمنين وأظهر سمو صلتهم الوثيقة بالله عزّوجلّ في سرّائهم وضرّائهم لا يلجؤون إلاّ لحصنه ولا يطمعون إلاّ بفيض رحمته وهم في كلّ ذلك ينهلون في دعائهم من نبع إيمانهم وصدق تعلّقهم بخالقهم لذا فقد كانت أدعيتهم تنتهج نهجاً واضح المعالم جلي الدلالات في تأكيد خضوعهم له وتضرّعهم إليه جلّ وعلا لا يسأمون ولا يكلّون في عرض فقرهم وبيان حاجتهم لعفوه ومغفرته ورحمته. ومن ذلك قوله تعالى على لسان المؤمنين بخاتم الرسل : ( آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه والمومنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحدٍ من رسله وقالوا سمعنا وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير * لا يكلّف الله نفسًا إلاّ وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربّناو لا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الّذين من قبلنا ربّنا لا تحمّلنا ما لا طاقه لنا به واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ) (١).
فإنّك تلحظ الإشارة إلى إيمان الداعين وإلى إقراراهم بالمبدأ وهو الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسوله ثمّ طلبوا المغفرة وأعادوا الإقرار على أنفسهم بالمعاد ( وإليك المصير ) (٢) ثمّ تلوا ذلك الإقرار بوصفهم خالقهم بأنّه لا يكلّف نفساً إلاّ ما تسع وتقدر عليه ولها وعليها ما تكتسبه من الأفعال وذهب بعضهم (٣) إلى وجود الفرق بين الكسب والاكتساب فالكسب مختصّ بالخير والاكتساب بالشر لأنّ في الاكتساب معنى الإعمال « ولما كان الشرّ مما
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٨٥ و ٢٨٦.
(٢) ظ : مفاتيح الغيب ٦٤ : ١ ـ ٦٥.
(٣) ظ : الكشاف ٣٣٢ : ١ بدائع الفوائد ٧٤ : ٢ البرهان ٣٢ : ٣.