كل شيءٍ رحمةً وعلماً فاغفر للّذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم * ربّنا وأدخلهم جنّات عدن الّتي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّيّاتهم إنّك أنت العزيز الحكيم * وقهم السّيئات ومن تق السّيّئات يومئذٍ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم ) (١) فإنّك تلحظ في هذه الآيات الكريمة أنّها بدأت بوصف الملائكة المسبّحين بالإيمان واستغفارهم لمن على شاكلتهم في الإيمان بمعنى أنّه « قد روعي التناسب في قوله : ( يؤمنون به ) ( ويستغفرون للّذين آمنوا ) كأنّه قيل : ويؤمنون ويستغفرون لمن في حالهم وصفتهم وفيه تنبيه على أن الاشتراك في الإيمان يجب أن يكون أدعى شيء إلى النصيحة وأبعثه على إمحاض الشفقة وإن للمؤمنين الأجناس وتباعدت الأماكن » (٢). ثمّ الملائكة قدّموا قبل الدعاء للمؤمنين الثناء لله تعالى وذلك قوله : ( ربّنا وسعت كلّ شيءٍ رحمةً وعلماً ) وهذا أدب رفيع من آداب الدعاء سبقت الإشارة له في مواضع عديدة ليكون الدعاء أقرب للإجابة وعليه فقد جاء الثناء في دعاء الملائكة هذا بان وصفوا الله تعالى بـ « الربوبية والرحمة والعلم » (٣) وقد يجد المتدبّر في هذه الآيات سؤالاً في نفسه حول قائدة قوله تعالى : ( وقهم عذاب الجحيم ) بعد قوله جلّ وعلا : ( فاغفر للّذين تابوا ) فالمغفرة تستوجب الوقاية من العذاب والوقاية تستوجب سبق المغفرة عليها وقد انتبه إلى ذلك الفخر الرازي فأجاب أن « دلالة لفظ المغفرة على إسقاط عذاب الجحيم دلالة حاصلةعلى الرمز والإشارة فلما ذكروا الدعاء على سبيل الرمز والإشارة أردفوه بذكره
__________________
(١) سورة غافر : ٤٠ / ٧ ـ ٩.
(٢) الكشاف ١٥٢ : ٤.
(٣) مفاتيح الغيب ٣٥ : ٢٦.