والنهي ـ أمراً ونهياً من باب الكل على الجزء وتعليل ذلك كما جاء في شرح الكافية إنّما سمى النحاة جميع ذلك أمراً لأنّ استعمال هذه الصيغة في طلب الفعل على وجه الاستعلاء ـ وهو في حقيقة الأمر ـ أغلب وأكثر وذلك كما سمّوا نحو « المائق » و « الضائق » اسم فعل لأن استعمال هذه الصيغة فيما هو فاعل حيقيقة ك « الضارب » و « القاتل » أكثر وكذا في النهي فإن قولك : « لا تؤاخذني » في نحو « اللهّم لا تؤاخذني بما فعلت نهي في اصطلاح النحاة وإن كان دعاء في الحقيقة » (١).
ولعلّ للنحويين عذرهم في إطلاق تسمية الأمر أو النهي على الدعاء لأنهم أول ما يعنون بأمر الصيغة وما يلحقها من علامات الإعراب وما دامت صيغ الدعاء تسمية الأمر والنهي ـ لتولدها منهما ـ صحّ لديهم أن يطلقوا على الدعاء تسمية الأمر أو النهي وهذا ـ في رأي الباحث ـ تجاهل لدلالة الدعاء ومعناه الحقيقي فمن غير الممكن أن نطلق تسمية واحدة لفعل تختلف دلالة من صيغة إلى أخرى فدلالة الأفعال في الأوامر والنواهي الإلهية كما في القرآن الكريم حتماً تتباين وتفترق عن دلالات الأفعال الدعائية في القرآن فدلالة الأفعال ـ على الأمر والنهي ـ في قوله تعلى : ( يا أيّها الّذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظّنّ إنّ بعض الظّنّ إثم ولا تجسّسوا لا يغتب بعضكم بعضاً ... ) (٢). تختلف عن دلالة الأفعال في قوله جلّ وعلا على لسان المؤمنين : ( ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنّك لا تخلف الميعاد ) (٣).
__________________
(١) شرح الكافية في النحو ٢٦٧ : ٢ ظ : الطراز / العلوي ٢٨١ : ٣.
(٢) سورة الحجرات : ٤٩ / ١٢.
(٣) سورة آل عمران : ٣ / ١٩٤.