الاستعمال بالشرط المذكور أفادت الوجوب وإلاّلم تفد غير الطلب » (١) ويظهر لي أنّ السكاكي قد فرّق بين إيجاد الفعل من جهة وبين وجوب إيجاده كل منهما يولد ويخرج الدعاء منه سواء في ذلك أكان الطلب من العالي رتبة أم من المستعلي ضمن الرتبة الواحدة فكل منهما يستدعي ويولد الدعاء وما الاختلاف بينهما ـ فيما يبدو لي ـ إلاّ لأن إيجاد الفعل على سبيل الوجوب يحمل دلالة التأكيد في الإتيان بالفعل أكثر وأقوى من دلالة إيجاد الفعل وتنفيذه بصورة عامة وكلاهما طلب صريح لتنفيذ الفعل أحدهما أوكد من الآخر.
وخلاصة القول : إنّ الدعاء عند البلاغيين يخرج ويولّد مجازاً من صيغتي الأمر والنهي وهم يشترطون في صدور الدعاء أن يكون الداعي أقل رتبة من المدعو أو أن يكون المدعو مستعلياً عليه وليس من أحد في ما اطلعت قال غير هذا وإن قيل غير ذلك فقد نظر القائل بعين أهل الأصول في مباحث الأمر وتقسيماتهم فيه.
أما النحاة فلم يشذّوا عن القاعدة في صدور الدعاء لذلك فقد اشترطوا الاستعلاء في صدور الأمر وجعلوا الدعاء خارجاص عنه لاستعظام أن يقال عن الدعاء إنّه أمر ونهي جاء في الكتاب « الدعاء : بمنزلة الأمر والنهي وإنما قيل دعاء لأنه استعظم أن يقال أمرو نهي » (٢) والنحاة وإن قالوا بالرتبة والاستعلاء في صدور الأمر الحقيقي فقد بقيت تسميتهم لصيغة الدعاء ـ الخارجة عن الأمر
__________________
(١) مفتاح العلوم : ٥٤٣.
(٢) الكتاب ١٤٢ : ١ ظ : المقتضب / المبرد ٤٤ : ٢ الأصول ١٧٧ : ٢ شرح المفصل / ابن يعيش ٥٨ : ٧.