والاجتهاد والعمل الدؤوب للوصول إلي أهدافه وتحقيق طموحاتهو لايتيح له التواكل والانزواء والتعلّق المطلق بالغيب وإهمال كلّ سبب ولايقول بغير هذا مسلم قط إلاّ تافه أو سفيه.
نعم الدعاء له قيمة عظيمة بل هو أفضل العبادة لأنّه تجسيد للصلة الموضوعية بين الخالق والمخلوق ومنهج الدعاء وموضوعيته تكمن في استقراء القواعد الإيمانية التي ينطلق من خلالها الدعاء وأما الحكم من خلال المظاهر السلبية المنسوبة إليه قسراً نتيجة القياس الخاطئ بجملة الأطروحات الغريبة التي جاءت بها الكنيسة وأتباعها ممن خرجوا بالديانة المسيحية عن مرتكزاتها السليمة جرياً وراء نزواتهم وغرائزهم الحيوانية النهمة فهو من الإجحاف والظلم بمكان.
ونحن لاننكر أهمية هذا التحوّل الهائل في إدراك الكثير من الأمور التي كانت خافية قبل ظهور تلك الحضارة المادية والتقنيةالعالية حتّي تبدّد إثرها الكثير من المخاوف التي كانت سائدة قبل ذلك إلاّ أن هذا لايلزم ما ذكر من تأويل منحرف للدعاء سيما وأن العلم الحديث نفسه جاء ليؤكّد بقوّة أن هنالك قوّة قادرة مدبّرة مبدعة تتحكّم بكلّ مقدرات الكون والإنسان لايملك أمامها إلاّ الإقرار بعجزه وضعفه رغم ما بلغه من درجات عالية من الرقي والتحضّر.
وإذا انضاف إلي ذلك بأنّ الله عزّوجّل قد أمر عباده بدعائه وضمن لهم الاستجابة علمنا أن الدعاء طريق إلي القبول وبلوغ المأمول.
لقد وضعت الشريعة السمحاء آداباً معينة للدعاء وشروطاً تستكمل بها صورته كما بينت لنا أسفاراً نادرة من الأدعية لمختلف الشؤون وقد صدر عن مركز الرسالة كتاب (الدعاء حقيقة وآدابه وآثاره) للأستاذ علي موسي الكعبي غير أن بحث الدعاء هنا جاء علي منهج آخر تقيّد بحدود الكتاب العزيز فقط ليجلو لنا بدراسة قرآنية بكر عن معانيه ومعالمه وصيغه في القرآن الكريم.
والله الهادي إلي سواء السبيل.
مركز الرسالة