لأن جوهر الدعاء يمثّل حقيقة التوحيد بل إنّ التوحيد ركن أساس من أركان الدعاء القلبية قال تعالى : ( هو الحيّ لا إله إلاّ هو فادعوه مخلصين له الدّين الحمد لله ربّ العالمين ) (١).
ولا ريب في أنّ الدعاء دون الاعتقاد بإلهٍ واحدٍ قادرٍ على إجابة الدّعاء يفضي إلى القول بتعدّد الآلهة والتعدّد يقتضي التضادّ والتناقض في الإجابة ضمن المشيئة الإلهيّة المتعدّدة وعليه يكون الدعاء إلى عدم الإجابة أقرب منه إلى الإجابة وليس بإله من تعجز قدراته عن إجابة خلقه لذلك خاطب القرآن الكريم بأبلغ صورةٍ من كانت حاله كذلك قال تعالى : ( له دعوة الحقّ واللّذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلاّ كباسط كفّية إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلاّ في ضلال ) (٢).
فليس أبلغ من هذا الاستنكار للذين يدعون من لا يقدرون على نغع أنفسهم أو ضرّها وما دعاء الداعين إلاّ في ضلالٍ وما هم إلاّ ضالّون عن سبيل الحقّ وجادّة الصواب ولنا في بدء هذه الآية ( له دعوة الحقّ ) تأكيد بتقييد وتخصيص دعاء الحقّ به تعالى وليس لأحدٍ سواء غير الباطل والضلال.
ومن جانب آخر امتدح القرآن الكريم الذين انتهجوا نهج الحقّ في الدّعاء ووجّهوا دعاءهم إليه تعالى آملين ـ بخشيةٍ وسرورٍ ـ إجابتهم قال تعالى : ( ... إنّهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين ) (٣).
فضلاً عن ذلك فقد نقل لنا الكتاب العزيز ما سيكون الكفار عليه من
__________________
(١) سورة غافر : ٤٠ / ٦٥.
(٢) سورة الرعد : ١٣ / ١٤.
(٣) سورة الأنبياء : ٢١ / ٩٠.