العالمُ المنطـقي المعروفُ سعدُ بنُ عمرَ بن عبدالله التفتازاني مصنّفُ كتاب التهذيب في المنطـق والمطوّل في المعاني والبيان ، وأبو نصر إسماعيل بن حمّاد الفارابي المعلّم الثاني ، والعالمُ الرياضي الحكيمُ الخيّامُ ؛ هؤلاء هم بعضُ الذين نبغوا من أرض طوسَ ، وتركوا للعالم آثاراً أبديّة ١.
وممّا أضفى على هذهِ المدينةِ أهميّةً كُبرى هو مرقدُ الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام ثامن أئمّة الشيعةِ الاثني عشريّة ، وهي لذلك مهوى أفئدتِهم ، يؤمّونها من الأماكن البعيدةِ والبلدانِ النائيةِ ، ويتقاطرون اليها من كلّ حدبٍ وصوبٍ للتبرّكِ بالعتبةِ المقدّسةِ ٢.
وقد ترعرعَ الشيخ الطوسيّ في مَسقَطِ رأسهِ ، ودرسَ فيها علومَ اللغة والأدبِ والفقهِ والحديثِ وعلمَ الكلامِ ؛ ليهاجر بعدها إلى العراقِ ٣ « حاملاً من الثقافةِ الإسلاميّةِ فنونَها » ٤.
وهناك استقرّ الطوسي في بغدادَ ، حيث كانتْ تعجُّ بالثقافةِ والعلومِ ، ويقصدُها طلابُ المعرفةِ من كلّ بلادٍ ، وصادفَ وصولهُ إلى بغدادَ بعدَ تربّعِ الشيخ المفيدِ على كرسي الزعامةِ الفكريّةِ للمذهبِ الجعفري ، وبعد أن قَطعَ شوطاً بعيداً في مجالِ العلمِ والمعرفة ، الأمرُ الذي جعلَ حلقاتِ درسِهِ زاخرةً بطلبةِ العلومِ « فكان يحضر مجلسَهُ خَلْقٌ كثيرٌ من العلماءِ من سائرِ الطوائفِ ٥ ».
مما يُؤكّدُ موضوعيّةَ الشيخِ المفيدِ احترامُ الناسِ له ، وإنِ اختلفوا معه في الرأي أو الانتماء المذهبي ، فكان لهذهِ الأجواءِ تأثيرٌ بالغٌ في اجتذابِ الطلاّب إلى بغدادَ والتي كانت في ذلك الوقت عاصمةً للخلافةِ ، حتّى صار شيخُنا الطوسي واحداً من بين العديدينَ الذين
__________________
١. الأمين ، دائرة المعارف الإسلاميّة الشيعية ، ج ١٢ ، ص ٣٠٠.
٢. بحر العلوم ، مقدّمة الأمالي للشيخ الطوسي ، ج ١ ، ص ٤.
٣. الطهرانيّ ، الذريعة ، ج ٢ ، ص ١٤ ؛ بحر العلوم ، موسوعة العتبات ، ج ٢ ، ص ٢٣.
٤. بحر العلوم ، مقدّمة الأمالي ، ج ١ ، ص ٤.
٥. ابن كثير ، البداية والنهاية ، ج ١٢ ، ص ١٥.