الناس ، ليضطهد غيرهم ، كما هو الحال في العهد السلجوقي ، وتاثر الشيخ الطوسي بهذه الاجواء المتفاوتة ، فنراه تارةً يحظى باحترام السلطة ، ويعطى له كرسي الكلام ، كما حدث في عهد الخليفة العباسي القائم بامر الله ، بينما تضيق تارةً اخرى في ايام الحكم السلجوقي ، ليهرب من بغداد إلى مدينة النجف الأشرف بعيداً عن مسرح السياسة والفتن ، بعد ان احترقت داره وكتبه والكرسي الذي كان يجلس عليه.
٥. شهد عصر الشيخ الطوسي حركةً علميةً نشيطةً ساهمت فيها المدارس الإسلاميّة المختلفة المذاهب والاتجاهات ، مما افرز ظاهرة الحوار والجدل والمناظرة التي كثيراً ماكان الشيخ الطوسي يدلي بدلوه فيها ، فيناقش اصحاب المذاهب الاخرى فيما يقولون من اراء ، كما ويتصدى للدفاع عن عقيدته الشيعية بكل مايملك من ادلة وحجج وبراهين ، الامرالذي صار معه الشيخ الطوسي علماً من اعلام التشيع ، حيث يشار إليه بالبنان ، اذ ليس في علماء عصره الا من يرى له حق التقدم ، وقد يجد الباحث اثار النزعة الجدلية واضحةً في التبيان ، حيث يتلمس القدرة الفائقة التي يتحلى بها الطوسي في محاجة الخصم واسقاط مافي يده ، فلايملك بعدها غير الاذعان والاقرار بما عند مفسرنا من راي مدعومٍ ، بالدليل والبرهان.
٦. امتاز الشيخ الطوسي بروح علميةٍ نزيهةٍ وبموضوعيةٍ عاليةٍ ، حيث يشهد له بذلك تفسيره التبيان والذي كان لا يضيق ذرعاً باراء غيره من المفسرين ، وكم شهدناه يتفق مع صاحب الراي السليم بغض النظر عن انتمائه المذهبي واتجاهه العقيدي ، كما وجدناه يعتمد في نقله الرواية والاثر على من سبقه من العلماء والمفسرين والرواة الذين تيقن بصحة مايروونه ، وان لم يكونوا من الشيعة الإماميّة ، كذلك لم يقتصر في اخذه الرواية على النبي صلىاللهعليهوآله والائمة من أهل البيت عليهمالسلام ، بل كثيراً ماكان يستشهد باراء الصحابة والتابعين الذين يطمئن لمنقولاتهم.
٧. سلك المفسر في تفسيره منهجاً مزدوجاً بين التفسير بالاثر والتفسير بالراي وفق اسس علمية رصينة ، اذ لاياخذ من المنقولات الا مايطمئن لصحتها مما تعضده الادلة كالاجماع او التواتر رافضاً لروايات الاحاد واخبارهم اذا لم تسعفهم القرائن فيما يروون.