الإسلاميّة بما لاحصر له من التفاسير التي ستبقى ـ رغم ما فيها من جوانبَ مشرقةٍ ـ قاصرةً عن إدراك كُنْهِ المعجزة الإلهيّة وأسرار النصّ القرآني.
وقد حظي القرآن الكريم باهتمام المسلمين جميعاً بمختلف مذاهبهم وطرائقهم ، إذ انبرى له من كلّ مذهب جمع من خِيرة العلماء والمتخصّصين لدراسته والغوصِ في بحارمفاهيمه ومعانيه ؛ وقد كان للشيعة الإماميّة شرفُ المساهمةِ في استجلاء معاني النصّ القرآني ، حيث تطوّع جمعٌ من علمائهم على مرّ العصور المتعاقبة لتفسير القرآن الكريم ، وتوضيح آياته واستنباط أحكامه وتشريعاته.
وقد شهد القرن الخامس الهجري ولادةَ كتابٍ يحتوي على تفسير جميع القرآن ، ويشتمل على فنون معانيه ١ لواحدٍ من أكبر علماء عصره هو الشيخُ الطوسي ـ زعيم المذهب الإمامي آنذاك ـ الذي استطاع أن يقومَ بعمليّةِ تطويرٍ واضحةِ المعالمِ في المنهجِ التفسيري الذي تَبنّاه في تبيانه.
وقد تصدّيتُ بعد التوكّل على الله تعالى لخوض غمارِ دراسةٍ حولَ الشيخ الطوسي ومنهجه في التفسير ، فكانت رسالتي الموسومة الطوسي مفسراً جُهداً متواضعاً على شواطِئ بحر العظمة القرآنيّة التي غاص في عُباب رحمتِها الشيخُ الطوسي ؛ ليحمل من لآلِئها مايُزيّنُ بها تبيانَهُ ، ويتقلّدها وِسامَ فخرٍ يغالبُ الزمنَ ، وتنقشه ريشةُ الخُلودِ عطاءً ثَراً وسِفْراً خالداً وشجرةً مباركةً تُؤتي أُكُلَها كلَّ حينٍ ذِكراً حَسناً وثناءً جميلاً.
ولعلّ بواعثَ اختياري لهذا الموضوع هي ما يلي :
١. كونُ تفسيرِ التبيان أوَلَ محاولةٍ تفسيريّةٍ كاملةٍ عند الشيعةِ الإماميّةٍ.
٢. كونُ الشيخِ الطوسي ، فقيهاً مجتهداً استطاعَ أن يتعاملَ مع النصّ القرآني بِذهْنيّةٍ إسلاميّةٍ ذات طابعٍ شُمُولي لإحاطة المفسّر بأكثرِ جوانبِ العلومِ والثقافةِ الإسلاميّة فضلاً عن كونِه مؤسِّساً للحوزةِ العلميّة في النجفِ الأشرفِ ، والتي أصبحتْ فيما بعد من أهمِّ وأكبرِ الجامعاتِ في العالم الإسلامي.
__________________
١. انظر التبيان ، ج ١ ، ص ١.