مراماً ما أبعده! [ وزَوراً ما أغفله! ] (١) وخطراً ما أفظعه (٢)! إلى آخرها (٣) ، وقد أتى في هذه الخطبة ما لا مزيد عليه من ذكر الموت ، والتحذير من الدنيا ، وما يؤول من الانسان إليه حين الموت من السكرات والغمرات ، وذكر من اعتزّ بالدنيا وركن إليها :
هذا موضع المثل ملعا يا ظليم وإلاّ فالتّخوية (٤) ، مَن أراد أن يعظ ويخوّف الناس ، ويعرّفهم قدر الدنيا وتقلّبها بأهلها فليأت بمثل هذا الكلام الفصيح في مثل هذه الموعظة البالغة وإلاّ فليسكت ، فإنّ السكوت أصلح ، والعيّ خير من منطق يفضح صاحبه.
ولعمري من وقف على هذه الخطبة علم مصداق قول معاوية : والله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره ، وينبغي إذا اجتمع الفصحاء وتليت عليهم هذه الخطبة أن يسجدوا لها كما سجد الشعراء لقول عديّ بن الرقاع :
قلم أصابَ من الدواةِ مدادها (٥).
فقيل لهم في ذلك ، فقالوا : إنّا نعلم سجدات الشعر كما تعلمون أنتم سجدات القرآن.
وإنّي لاُطيل التعجّب من رجل يخطب في مقام الحرب بكلام يدلّ على أنّ طبعه مشابه لطباع الأسود والنمور وغيرهما من السباع الضارية ، ثمّ يخطب
__________________
١ ـ من النهج : والزَور : الزائرون.
٢ ـ كذا في النهج ، وفي الأصل : ما أوصفه.
٣ ـ نهج البلاغة ( صبحي الصالح ) : ٣٣٨ خطبة رقم ٢٢١.
٤ ـ الملع : السير السريع. ويقال : خوّى الطائر ، إذا أرسل جاحيه.
٥ ـ صدره :
تُزجِي أغنّ كأن إبرة روقه