(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ) أي هاهى ذى قد قامت الحجج ودلت البراهين على صدق محمد صلى الله عليه وسلم ، فهل ينتظر المكذبون إلا أن يأتيهم الله بما وعدهم به من الساعة والعذاب في ظلل من الغمام عند خراب العالم وقيام الساعة ، وتأتي الملائكة وتنفّذ ما قضاه الله يومئذ؟.
والحكمة في نزول العذاب في الغمام إنزاله فجأة من غير تمهيد ينذر به ، ولا توطئة توطّن النفوس على احتماله ، إلى أن الغمام مظنة الرحمة ، فإذا نزل منه العذاب كان أفظع وأشدّ هولا ، والخوف إذا جاء من موضع الأمن كان خطبه أعظم ونحو الآية قوله : «وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً».
وفي الآية عبرة للمؤمن ترغّبه في المبادرة إلى التوبة لئلا يفاجئه وعد الله وهو غافل ، فإذا لم يفاجئه قيام الساعة العامة وهلاك هذا العالم كله ، فاجأه قيام قيامته بموته بغتة ، فإن لم يمت بغتة جاءه المرض بغتة ، فلا يقدر على العمل وتدارك الزلل.
(وَقُضِيَ الْأَمْرُ) أي كيف ينتظرون غير ذلك ، وهو أمر قضاه الله وأبرمه فلا مفرّ منه ، وحينئذ يثاب الطائع ويعاقب العاصي.
ثم بالغ في التهديد والزجر قال :
(وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) فيضع كل شىء في موضعه الذي قضاه ، فهو الأول ، ومنه بدأت الخلائق ، وهو الآخر وإليه ترجع الأمور وتصير ، فعلى من زلّ عن الصراط السويّ ، واتبع خطوات الشيطان أن يبادر بالتوبة ويرجع إلى الحق قبل أن يحيق به زلله ، ويجازى على عمله «كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ».
(سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢١١) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢١٢))